الصورة الفنية في شعره
بناء الصورة
يصور الأدب ولاسيما الشعر تجارب حياة الوجود الانساني في ماضيه وحاضره ومستقبله بموضوعات متنوعة، وهو يوحي باللحظة النفسية الاشبه بنافذة تفضي إلى آفاق بعيدة تطوف في الخيال، فيكتسب الشعر اصداءً من الحقيقة والخيال، فيكون مزيجا منهما على نحو فريد.
وقد يتسع الخيال عند الشاعر فينقل سرائر روح الكون إلى خياله عبر انفعالاته النفسية محلقا في آفاق خيالية يتحرر فيها قليلا أو كثيرا عن حياته المادية واغلالها الثقيلة، فتضح
ي لغته لغة ساحرة معبرة عن صدق احساسه بما تحتوي من تعبيرات مجازية وتشبيهية واستعارية وكنائية، ومن هنا تتضح العلاقة بين بناء اللغة الشعرية والصورة.فالصورة الشعرية وسيلة الأديب، ل
إيقاظ النفس وتهيج العاطفة بتجربة شعورية ذات نمط فني ابداعي يجمع الشاعر فيها حقائق الكون الخارجية المختلفة يوحدها ويعيد خلقها على وفق رؤيا نفسية عميقة تعبر عن منطلقه الفكري والوجداني، فتنبض بالحياة والحركة بالوانها الاسلوبية وباشكالها الفنية المشخصة بالألفاظ وصياغة العبارات التي فيها قدر من الخيال، وهو القوة النفسية التي تنهض برسم الصورة، فتمنحها قوة ايحائية مؤثرة تجعلها قابلة لتعدد التأويلات عند المتلقي.والصورة الشعرية هي التي تبرز مدى تمكّن الشاعر من صناعته الشعرية بما يمتلكه من قوة الملكة اللغوية التي تنفذ إلى معان جمالية، أو انسانية، فيفيض الشاعر خياله عليها، ويلصق احاسيسه بها، فيصور الاشياء المادية والمعنوية على السواء بما يحقق التناسب بين اتحاد الألفاظ بالمعاني التي تتجلى فيها قدرة الشاعر على صوغ صوره ضمن تجربته الآنية، فالصورة تقوم بوظيفة جزئية داخل التجربة الشعرية الكلية، فتشترك في الحركة العامة للنص بشكل متنامٍ ينأى عن الاضطراب والاختلال، أو تنافر الفكرة، أو العاطفة بين مكونات عناصر النص الشعري فالصورة مليئة بالحيوية والنمو، ولهذا لايمكن بترها، أو تحديد قالب فني معين لها؛ لأنَّها قد تتشكّل في نص، أو بيت، أو عبارة، أو مفردة، بحسب روافد الطاقة الايحائية التي انشأها مبدعها ووسائل تصويره لها ضمن بناء النص الشعري العام .
ومن هنا لابد من أن نتعامل مع الصورة في بناء الأثر الأدبي على وفق التحامها اللغوي والموضوعي والفكري والشعوري بكمال انسجامها وتناسقها وتماسكها؛ لأنها بمجموعها تمثل بنية واحدة لايمكن فصل عراها؛ لأنها جزء من مبنى النص، ولكن طبيعة الدراسة تتطلب التجزئة بوصفها وحدة منفصلة؛ لبيان القيمة التصويرية للأثر الفني بقصد اظهار براعة الشاعر، وإلا فهي لاتتجزأ عن بنائها العام في النص .
وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكن دراسة الصورة الفنية في شعر أبي طالب الخاضعة لملكاته اللغوية والبيانية وبواعثه النفسية وتجربته الشعرية، المختومة بافكاره وخياله، والمنطبعة باحاسيسه ومشاعره.
ـ مصادر الصورة في شعره:
تنوعت الينابيع التي استقى أبو طالب منها صوره الفنية بوصف شعره مظهرا من مظاهر الحياة الانسانية في تسجيل احداثها، ولا سيما الحياة الإسلامية الجديدة، فعبر عما يعتمل في نفسه من عواطف واخيلة وافكار على وفق الحياة التي تشتمل مرحلة الانتقال من الجاهلية إلى الإسلام ومواكبة حركة الصراع والمعارضة للدين الحنيف في زمن البعثة الشريفة، فاكثر صوره الشعرية
ـ اذا استثنينا شعره في فن الرثاء وبعض المقطوعات في الفخر والحماسة الجاهلية ـ تمثل المرحلة الجديدة لبواكير الظاهرة الأدبية الإسلامية، بيد أنَّه في بعضها يحذو حذو التقليد لصور سابقيه من الشعراء ضمن شعره الإسلامي؛ لأنَّ الظاهرة الادبية الإسلامية لم تكن قد تبلورت وتكاملت مقوماتها الفنية الجديدة بعد، وانما غرسها أبو طالب في شعره واينعت وقطف ثمارها شعراء الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد هجرته إلى المدينة أمثال: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، فبعض صوره الشعرية في المرحلة الإسلامية وان كانت جاهلية في ظاهرها بيد أنَّها تختلف في الفكرة والموضوع الإسلاميين المطروقين، فنظام الحياة الجديد: الفكري والاجتماعي والسياسي والاخلاقي غذى خيال الشاعر وذوقه في انتقاء صوره الحسية والمعنوية معاً.وثقافة أبي طالب الدينية في اعتناقه للدين الحنيف بما يتصل به من اخلاق ومعتقدات لها اثر كبير في ترقية عقله وتقوية شعوره العقائدي في خلق موضوعات إسلامية يتردد صداها في صوره الشعرية، ولاسيما المستمدة من التعبير القرآني، فالتعبير الجديد عن الحياة الإسلامية اليومية جعل أبا طالب يصدح بصوته الصريح الصادق باساليب تعبيرية وموضوعية؛ لاستقطاب قريش إلى صف الإسلام، فكانت صوره ثمرة فنية تعبر عنها القصيدة التي تشكل الصورة احدى مرتكزاتها الأدبية.
وأبو طالب ذو ثقافة عالية ناشئة من تحصيله الأدبي من ثقافة معاصريه من الأدباء: شعراء وخطباء، فقد كانت اسواق مكة: عكاظ، والمجنة، وذو المجاز، ميدانا فسيحا يتبارى الشعراء والخطباء في انشاد فنهما، فهذه الأسواق احدى وسائل نشر الأدب التي نهضت بالوحدة اللغوية بين قبائل العرب التي نزل بها القرآن مؤيدا ومذيعا للغة قريش(
1)، وكان لأدباء قريش الحظ الأوفر من نهل هذا المنبع الثقافي الصافي؛ لأن هذه الأسواق كانت معرضا للأدب: الشعر والنثر، ومما لا ريب فيه أن أبا طالب قد تأثر في هذا التحصيل الأدبي فاثرى صوره من شعر الشعراء السابقين له والمعاصرين في آن معا، وبيدو أنَّ طبيعة مكة التجارية جعلها ساحة واسعة لعرض الاراء والافكاروالمفاخر، وناديا لالقاء الشعر في انديتها، وأبو طالب كان له حظ من التجارة سواء أكان في مكة أم في خارجها، وهذا الأمر اتاح له ولغيره من شعراء مكة أن يتبادلوا ثمار العقل والفن في هذا التلاقح الثقافي بينهما، فكثير من الشعراء من داخل مكة وخارجها مدحوا النسب الهاشمي ولاسيما عبد المطلب واولاده(2) بوصفهم رؤوساء قريش وزعماءها والقائمين على بيت الله الحرام، ولهم السقاية والرفادة فهذا له اثره في بناء صور أبي طالب الشعرية.بقي ان اقول ان البيئة احد روافد صور أبي طالب الشعرية التي لها الأثر العميق في ذوقه، فالصورة المتشكلة في لغة الشاعر الحضري قد انمازت أحيانا من الصورة المتشكلة في لغة الشاعر البدوي، ومن هنا جاءت صوره عذبة رقيقة في استقصائها للبيئة
الحضرية قاصدا فيها الوضوح والافهام للنهوض الحثيث في الصورة الفنية الانيقة. فصور أبي طالب الشعرية قد تكون مستمدة من الموروث الثقافي للشعراء السابقين له أو مستثمرة من شعراء عصره، أو من أثر الحياة الفكرية الإسلامية الجديدة، أو من أثر تجارب الحياة الواقعية في وقت واحد، ومن هنا لايمكن القطع بشكل دقيق بين هذه الصورة، أو تلك في بيان الأثر الفني.فمن صور أبي طالب البيئية التراثية صور جثث القتلى طعاما للطيور
(3) التي اثارت مخيلته، فشرع يرسمها في سياق التهديد والوعيد، خالعا عليها تجربته الشعرية في تسفيه احلام قريش بقتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال في القصيدة الميمية:{من الطويل}
أَمانيُّهم تلكم كَأَحلامِ نائِمِ وَلَمّا تَرَوا قَطفَ اللِّحى وَالغَلاصِمِ تَحومُ عَلَيها الطَيرُ بَعدَ مَلاحِمِ وَقَد قَطَعَ الأَرحامَ وَقعُ الصَوارِمِ إِلى الرَّوعِ أَبناءُ الكُهولِ القَماقِمِ( 4) |
|
يُمنُّونكم أَن يقتُلوهُ وَإِنَّما فَإِنَّكُم ـ وَاللَّهِ ـ لا تَقتُلونَهُوَلَم تُبصِروا الأَحياءُ مِنكُم مَلاحِماً وَتَدعوا بِأَرحامٍ أَواصِرَ بَيننا وَنَسْمُو بِخَيلٍ بَعدَ خَيلٍ يَحُثُّها |
عندما يزمع المرء على شن الحرب على الأعداء والايقاع بهم، يصف ساحة المعترك بالقسوة والشدة، فجثث قتلى الأعداء ستصبح طعاما للطيور الضارية، من هنا ساق أبو طالب هذا المشهد مصورا الملاحم بصيغة الجمع للمبالغة في التهويل لمشهد قطع الرؤوس، وصك السيوف بالسيوف وتدافع الخيل، وهي صورة توحي بشدة الفتك والبطش بالأعداء، وقد زج أبو طالب هذه الصورة؛ لبيان حقيقة آمال قريش في قتل رسول الله فهي كأحلام نائم، فلم ولن يتمكنوا من تحقيقها، فاخضع الصورة البيئية التراثية إلى تجربته الآنية بعد أن ادخل فيها التغيير والتحوير في تصوير واقعة الحرب في معرض التهديد والوعيد، فهو لم يستعملها في واقعة حرب
ية فعلاً.ويرينا أبو طالب بوضوح الجهد الفني المبذول في انجاز صورة شعري
ة متنامية في بناء قصيدته التي تماثل نظيرتها في الشعر الجاهلي بيد أنها تباينها في رسم تفاصيلها.ويرسم أبو طالب صورة فنية أُخرى تضارعها في التصوير في مكان آخر، فهو يستعمل الصورة التراثية مع اضافة في ملامحها ومظهرها العام، وكأنها صورة تباين أختها، فيحدث فيها تغييرا وتحويرا بألفاظها الدالة على معانيها الملونة، بحسب قدرته الابداعية لصناعته الشعرية على نحو ما نجده في قصيدته البائية، وهو يهدد قومه ويتوعدهم عاقبة قتل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (5) فقال:{من الطويل}
بِهِ وَالنُسورُ الطُّهْمَ يَعكُفنَ كَالشَّربِ( 6) |
|
بِمُعْتركٍ ضنـــك تَــرى قــصـدَ القــَنا |
قابل أبو طالب صورة الطيور العاكفة على جثث القتلى
ـ بعد ان بين ملامحها المرئية فهي، نسور ذات رؤوس سوداء ـ بصورة عكوف الجماعة لشرب الماء، فصورة المشبه والمشبه به متناسقتان في تشكيلهما الفني ومطابقان في هيأة الوصف بمعالجة فنية متقنة .ومن صور التراث صورة الفارس الشجاع المأخوذة من صورة الأسد، أو الليث فاستعملها أبو طالب
للدلالة على الإقدام والمصاولة والغضب والزهو والشموخ، على نحو ما يذكر في منعه لرسول الله(صلى الله عليه وآله) :{من التقارب}
كَما زارَ لَيثٌ بِغيلٍ مَضيقِ( 7) |
|
وَلَكِن أَزيرُ لَهُم سامِتاً |
على الرغم من تقريرية صورة الأسد، مَنح أبو طالب الصورة الحيوية من خلال الموازنة بين زئيره وزئير الأسد، فزأر أبو طالب على اعدائه بشموخ كما يزأر الليث في عرينة الضيق، كناية عن غضبه عليهم، ولوح أبو طالب بهذه الصورة في فخره الذاتي في الذود عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) والجامع بين صورة زئير الشاعر، وصورة زئير الليث هو الحالة النفسية لكليهما الدالة على الغضب والقوة والشموخ.
إنَّ استعمال أبي طالب لهذه الصورة لايخلو من التغيير والتطوير، فقد طرقها بحسب تجاربه الشعرية المختلفة، وبألفاظ متباي
نة؛ ليمنح صورا متنوعة لشيء واحد، متجنبا اعادة الصور بعينها على نحو ما نجده في مديحه لقومه، فموقف قومه في الحرب اشرف موقفٍ، فهم كأُسْد يُهزُّ جبل الصفا من زئيرها، فقال:{من الرجز}
وَمَوقِفٌ في الحَربِ أَسنى مَوقِفا أُسدٌ تَهُدُّ بِالزَئيراتِ الصَّفــــــــا( 8) |
تتجلى الموافقة بين الصورتين بانسجامهما، فصورة أبطال القوم في الحرب الذين يتطلب منهم الاقدام والمصاولة والشجاعة تهزُّ قوة العدو، وهي صورة تضارع صورة زئير الأسد الذي يهزُ قوة جبل الصفا، والجامع بين الصورتين القوة والشدة والبأس والشموخ.
ويعالج أبو طالب صورته الشعرية المستمدة من صورة الأسد في اطارها العام معالجة تقنية فنية وهو يلجأ إلى اساليب التعبير المتنوعة، فقال من القصيدة الميمية مفاخرا بعشيرته:
{من الطويل}
عَلى حَنَقٍ لَم تَخشَ إِعلامَ مُعلِمِ( 9) |
|
هُمُ الأُسدُ أُسدُ الزَّارَتَينِ إِذا غَدَت |
ف
أبناء قوم أبي طالب اسود الزأرتين لايخشون الأبطال المعلّمين الذين يعرفون باقدامهم في حالة الغضب.وتنوعت صورة الفارس المشبه بالأسد واختلفت بعض ملامحها في صور شعر أبي طالب(
10) على الرغم من ان رافد الصورة التراثية واحد، فحوّر وطوّر وغيّر في تشكيلها، فجعلها تشارك الرافد نفسه وتباينه في اطار الشكل، وهو مستعين بقدراته الفنية ووسائله التقنية في صناعة صوره الشعرية.ومن صور المشاهدات اليومية صورة الحاضرة والتمدن التي اقيمت فيها مظاهر العمران قبل الإسلام وبعده، فكانت مكة مركزا دينيا حضريا قديما، والكعبة كانت بناءً قديما فيها أيضا.
ومن دواعي فخر أبي طالب أن والده عبد المطلب، كان قائما على اعمار البيت، فكانت نفس أبي طالب تبرق من حين إلى آخر، لتحلق في الخيال فتضيء الزوايا المظلمة من الكون بصورة فنية تمنح الادراك العمق في النفس البشرية؛ لترفع الانسان الاعتيادي إلى درجة عالية من الجمال الروحي وهو يرثي والده، فصوَّره عندما عمَر الكعبة، وكأنَّه ملأها نورا يجلو الجدب والظلم عن الناس، فقال:
{من البسيط}
نوراً فَيَجلو كُسوفَ القَحطِ وَالظُلَمِ بِذاكَ فُضِّلَ أَهلُ الفَخرِ وَالقِدَمِ( 11) |
|
العامِرُ البَيت بَيت اللهٍ يَملأُهُ رَبُّ الفِراشِ بِصَحنِ البَيتِ تَكرِمَةً |
في الصورة الاستعارية شبّه أبو طالب دعاء عبد المطلب بالنور الذي يملأ بيت الله الحرام الذي يوحي بالسمو الروحي، والايمان الخالص، فيكشف شدة الفقر والظلم عن الناس، لما عرف عنه انه من الموحدين وأنه مستجاب الدعاء، واغفل الشاعر ذكر المشبه (المستعار عنه) وهو الدعاء، واثبت المشبه به (المستعار له) وهو النور، وكلا الطرفين حسي، فالدعاء صورة سمعية، والنور صورة مرئية، ولكنهما يتجازوان عوالم الحس إلى عالم الروح.
ولجليل قدر عبد المطلب كان يوضع له فراش في فناء الكعبة يجلس فيه اكراما له، واستقصى أبو طالب هاتين الصورتين؛ لبيان عظم مكانة أبيه، وكأنَّه أراد أن يصور هذه المعاني التي هي موضع فخره، واعجاب السامعين، فيهز القلوب لفقده، بوصفه قيمة انسانية تتجمع فيها المباديء السامية، ففقدانه صورة لفقدان تلك القيم، ولهذا كان لهذه الصور اثرها البالغ في التهاب مشاعر السامعين حزنا عليه، فشاركوا احساس الشاعر نفسه وهو يؤبن فقيده بصور متنوعة بعاطفة حب الشاعر لأبيه.
ومن نشاطات الحياة الحضرية: الحياة الاقتصادية والتجارية التي وفرت حياة الاستقرار في المجتمع القرشي في مكة ، والدالة على مخالطة البلدان المتحضرة والمتمدنة، فقد كان بعض رجال قريش يأتون بالبضائع المتنوعة من الشام، ومن التّجار أبو أمية بن المغيرة المخزومي، فالتقط أبو طالب صورة عودة خاله أبي أُمية من رحلته التجارية من الشام، فاخضعها لتجربته الشعرية، وهو في صدد رثاء له، فقال قصيدته الرائية:
{من الطويل}
تَقَدَّمهُ تَسعى إِلَينا البَشائِرُ كَسَتهُم حَبيراً ريدَةٌ وَمَعافِرُ( 12) |
|
وَكانَ إِذا يَأتي مِنَ الشامِ قافِلاً فَيُصبِحُ أَهلُ اللَّهِ بيضاً كَأَنَّما |
رسم أبو طالب صورة مجازية في تفاؤل أهل مكة بعودة القافلة من السفر، بلفظ «البشائر» بما تحمل من دلالة الحبور برجوع أبي أمية من رحلته فتشيع الاخبار السارة، ويصبح اهل الله بيضا، والمراد بقريِش؛ لأنهم بجوار بيته، يخدمونه ويخدمون حجيجه، واستعار أبو طالب البياض لهم لحسن حالهم الذي يماثل كسوتهم بالثياب الموشاة الجديدة من ثياب الحبيرية والمعافرية المصنوعة في اليمن، وهي صورة تدل على الرفاهية والسعادة.
وعلى الرغم مما يشيع من الوان البهجة والسرور في نفوس قريش بمقدم القافلة التجارية، كان أبو طالب قد استثمر هذه الصورة في رثاء خاله نفسه لتأجيج نفوس السامعين في مشاركته حزنه، فبالامس طالما اسعدهم بمقدمه واليوم احزنهم برحيله، وقد منح أبو طالب بناء صورته المنجزة الدقة والتأني في ذكر تفاصيلها وهو يبرِّز جوانب النمو والحيوية والرؤية الواضحة في اظهارها إلى المتلقي مستعملا الوانا من الاداء التصويري: الحسي والمعنوي متلمسا بعض الصور من المجاز البياني من استعارة وتشبيه باداء فني أنيق.
اما الصورة المستمدة من طبيعة الثقافة الدينية الإسلامية المستثمرة من التعبير القرآني، صورة «... المِيْزانَ بِالْقِسْطَ ...» (13)، فورد في توبيخ أبي طالب لبني عبد شمس وبني نوفل الذين وافقوا قريشا على قطيعة عشيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال في قصيدته اللامية(14):{من الطويل}
عُقوبَةَ شَرٍّ عاجِلٍ غَيرَ آجِلِ لَهُ شاهِدٌ مِن نَفسِهِ حقّ عادِلِ( 15) |
|
جَزى اللهُ عَنّا عَبدَ شَمسٍ وَنَوفَلاً بِميزانِ قِسطٍ لا يَغيضُ شَعيرَةً |
شبّه أبو طالب الصورة المعنوية «عقوبة شرٍ» بشيء موزون، فحذف المشبه به (أي المستعار منه)، الشيء الموزون، وأومأ الى (المستعار له) : الميزان، فعقوبة الشر غدت مجسدة بالوزن تكال في الميزان لا تزيد ولا تنقص مقدار شعرة، وبهذا كله جسد أبو طالب الصورة المعنوية بالصور المادية، فأفعم الصورة بجمال الخيال، وإثراء الايحاء الدال على الغضب والسخط والاستياء من ظلم بعض بطون قريش المعارضين للإسلام.
واستثمر أبو طالب من التعبير القرآني الصورة الحسية: « ... لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيْمٍ ...»(
16)، وهو يتوعد قريشا ويذكرهم ظلمهم وعقوقهم وحصارهم في الشِّعب(17)، فقال:{من الوافر}
يكونُ شرابهُم منها الحميمُ( 18) |
|
وإنّا سوف نورِدُهم حياضاً |
نهضت الصورة الذوقية في تحذير قريش بالنقمة، فسيشربون من حوض الحميم جزاء اعراضهم عن الإسلام، وتماديهم في غيهم للنيل من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والصورة توحي بالعذاب الاليم ل
أؤلئك المشركين وقد التقط أبو طالب هذه الصورة من الذكر الحكيم، واخضعها لتجربته الشعرية مانحا اياها الرؤية الجلية للتعبير عن حسيتها باطار فني مرسوم في التعبير القرآني.وللمثل اثر واضح في صور شعر أبي طالب وتتجلى قيمة المثل في لفت انتباه السامع إليه مباشرة بما يحتوي من صورة مكثفة دلاليا غنية بالايحاء على نحو تسفيه أبي طالب رأي قريش حين عرضت عليه عمارة بن الوليد بدلا من ابن أخيه رسول الله(صلى الله عليه وآله)؛ ليكون له ولدا وسندا(
19).فقال أبو طالب في القصيدة الرائية:
{من الطويل}
وَكانوا كَجَفرٍ بِئسَ ما ضغطت جَفرُ( 20) |
|
فَقَد سَفهَت أَحلامُهُم وَعُقولُهُم |
احسن أبو طالب في تشويه صورة المشبه من رجال قريش الممثلين عشائرهم، والصاق صفات شائنة بهم، تحط من منزلتهم، ليضارعهم بصورة ولد المعزى الذي «بال فأدر فبال جفره»
(21) في سلوكهم المتوارث في العداء، والجامع بين الصورتين الجهل، للدلالة على التحقير، ولا يخفى ما لقول أبي طالب المستمد من المثل «وكانوا كجفرٍ شرِ ما ضَغُطَتْ جَفْرُ»، من كثافة دلالية في أذن السامع وترسيخها، وايضاح الصورة وتوكيدها.وفي شعر أبي طالب تحفل القصيدة الدالية بصورة مثل أُخرى عندما يفخر أبوطالب على بني قصي(
22)، فقال :{من الطويل}
لَدَيكَ البَيانُ لَو تَكَلَّمتَ أَسوَدُ( 23) |
|
فَإِنّي وَإِيّاكُم كَما قالَ قائِلٌ |
أسهمت الصورة المستمدة من المثل «لديك البيان لو تكلمت اسودُ» ، في تحديد طبيعة الصورة السمعية بدلالة «قال قائلٌ»، في فخره، فلو تكلم «أسود» لأخبر بني قصي بفضل بني هاشم فيهم، ولا شك في ان اصداء الصورة السمعية لقول المثل لها اثرها في آذان مستمعي بني قصي الموحية بعراقة أرومة بني هاشم عليهم.
ومما تقدم يتبين: أن أبا طالب استمد معظم مكونات صوره من ينابيع ثقافته الأدبية والدينية المعبرة عن وعية الذاتي لمتطلبات تجربته الشعرية، فباينت أصل الصورة التراثية بتحويرها وتطويرها.
و عني أبو طالب برصد المشاهدات الواسعة من الحياة اليومية على المستوى الفكري والاخلاقي والأدبي، والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتضمنت صورا متنوعة شكلت جزءاً من بناء اثره الفني بعد أن اخضعها لانفعالاته المتباينة بما يتناسب مع الموضوع الشعري الذي هو في صدد الحديث عنه مانحا صوره الوانا من ابداعه ومهارته الفنية.
ـ وسائل الصورة البيانية:
ضمت اساليب البيان العربي أهم وسائل الصور الفنية غير المباشرة في التعبير عن المعنى الواحد بدلالات مجازية متنوعة، فالفكرة الواحدة يمكن اداؤها باساليب متباينة، وبطرق ادائية مختلفة تتبعها تغييرات
ـ زيادة أو نقصان ـ في المعنى بحسب بناء الألفاظ؛ لأنَّ الألفاظ صور المعاني، فإذا تغير تشكيل الألفاظ تغيرت المعاني المصورة.ومن الأساليب البيانية التي يتوسلها المبدع في رسم صوره الفنية: المجاز، والتشبيه والاستعارة والكناية، ومن جمال هذ الوسائل البيانية ، انها تمنح النص الشعري الاثارة، وبعد المرمى الذي تهدف إليه، وهي أكثر جمالا من الأساليب الحقيقية(
24)؛ لامتلاكها الامكانات الايحائية المؤثرة في جلب انتباه السامع، فتهز مشاعره ووجدانه بعد أن نبضت باحاسيس مبدعها، وتضمنت افكاره وانفعالاته.والصورة البيانية لغة مجازية ضمن بناء تشكيل لغة القصيدة مرتبطة باجزائها، تحمل مضامين متنوعة يحلق الشاعر فيها على اجنحة من الخيال فيطلقها حرة نامية في صور حسية، او عقلية بنوعيها: الوهمي والوجداني، وهي خاضعة لمهارة منشئها، في قدرته على رسم صوره وبها يتفجر ابداعه، وتضيء موهبته وملكاته الشعرية بروعة التعبير في صناعة صوره.
ونظرة فاحصة في آثار أبي طالب الشعرية تكشف عن صدارة التشبيه والكناية على الاستعارة، ويعود تقدم الكناية على الاستعارة إلى الخاصية الفنية لشعر أبي طالب في تنشيط الثروة الثقافية التراثية للوسيلة الكنائية ووضعها بقلب تجربته الشعرية؛ ولأنها تتعلق بالحقائق المختلفة من فكرة معينة، أو موقف شعوري، أو تجرب
ة انسانية، أو حالة نفسية، على الرغم من ان الاستعارة من الفنون البيانية الرفيعة المستوى، والعميقة في النفس، كانت الكناية ايسر سبيلا، واسهل مولجا، فاعتمدها أبو طالب في شعره أكثر من الاستعارة، وسنقف على الوسائل البيانية لكشف المعاني وإبانتها والخواطر الكامنة في النفس ضمن تشكيل الصورة التعبيرية في شعر أبي طالب.●
التشبيه :التشبيه ضرب من المجاز تأتي الصورة فيه لابرازه، وتوضيحه، وجلاء هيأته، وهو عماد الصورة البيانية؛ لكثرة توسل الأديب صوره له؛ ولاتساع اساليب التعبير به،فيتردد في مستويات التعبير المختلفة، ويراد به «الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى»
(25) أو اكثر، أو وجه أو أكثر من وجه، وتعقد به مماثلة لوجود صفة مشتركة بين طرفي التشبيه: المشبه والمشبه به، باداة ملفوظة أو محذوفة، لغرض يقصده الأديب.والمماثلة بين طرفي التشبيه تتفاوت بين الزيادة والنقصان، أو بين الوضوح والغموض بحسب المعنى المستعمل سواء أكانت الصفة التشبيهية مفرده أم متعددة، ويرمي المبدع إلى رسم ابعاد الموازنة بين طرفي التشبيه إلى الربط بينهما في حال يكشف فيه عن جوهر الجمال الذاتي الذي استحوذ عليه، يدلك على تشكيل صورة المعنى التي هي لوحة تشكلت من المعاني الجزئية بصياغة فنية دقيقة لتشكل المعنى الكلي بشكل متساوق ضمن جزيئات اقامة البناء الاساس للقصيدة، وتمنح النص بعدا جماليا يظهر مهارة الشاعر، وقدرته الابداعية في رسم صوره، فتبرز انفعالاته بكلمات معبرة يحاول فيها تصوير مشاعره بانتقاء الألفاظ والتعابير الموحية التي تنقل عاطفته، لتتم المشاركة بين المنشيء والمتلقي
ـ سواء أكان مستمعا أم قارئا ـ فيحس انفعالاته المتباينة، ويفهم افكاره المتنوعة، ويدرك خياله الواسع، فالصورة التشبيهية أكثر تناغما بين المبدع والمستمع لما تحمله من روابط نفسية تكسبها تلك المزية، وتكتسب أهميتها من أنها تقرب المعاني إلى افهام المتلقي وتوضحه، وتتوسع في ادائها اللغوي وفي احداث معانٍ جديدة تعطي الألفاظ الوضعية دلالات جديدة نستشفها من علاقات استعمال المفردات في سياقاتها الأدبية.ورفدت صور أبي طالب التشبيهية بالقديم والجديد المنسجمة مع واقع الحياة المعاش في مرحلتين: قبل الإسلام، وبعده
(26)، وأفادت من معطيات هاتين المرحلتينِ من الزمان؛ لأن الشاعر عاشهما بابعادهما الحضارية والروحية والمعنوية، فكانت صوره متناغمة مع حركة الحياة الصادرة عن فهمه لها، فهي نتاج الواقع والثقافة والاحساس، تتجلى في هذا النتاج حقيقة الحال الشعورية والفنية الذي عاناه الشاعر في اثناء انجاز عمله الابداعي، فشكلت انماطا اسلوبية مختلفة، تختلف باختلاف تجاربه الشعرية، وبتباين أدوات الصورة التشبيهية التعبيرية، ولذلك وردت الصور التشبيهية متنوعة فمنها: الصورة الحسية التقريرية، وهي صور تحاكي عالم المحسوسات المدركة في الخارج، بسيطة في تركيبها، تنأى عن الخيال، لانصرافها عن الأمور العقلية في تقريرها، ومنها الصورة البصرية التي التقطها أبو طالب لرواحل الحجيج إلى بيت الله العتيق، فقال يصف زينتها في قصيدته اللامية:{من الطويل}
بِأَعناقِها مَعقودَةً كَالعَثاكِلِ( 27) |
|
تَرى الوَدعَ فيها وَالرُّخامَ وَزينَةً |
ضارع الشاعر بين صورة الإبل المتزينة بالخرز والرخام وانواع أُخرى منتظمة برباط في اعناقها، بحبات التمر المنتظمة بعنق شجر النخيل، لبيان هيأة شكلها، والجامع بينهما شيء منظم ومرتب ومنسق مقلد في العنق، فهذه الصورة المرئية دقيقة في فنيتها انيقة في رسمها، بيد أنها غير نامية لا تحقق استجابة في اثارة المتلقي.
والصورة الحسية على الرغم من انها تجنح الى وضوح الحقيقة المدركة ادراكا حسيا التي تقتضيها طبيعة الماديات في الوجود الانساني، فتجلوها للمتلقي، هي مرهونة بالحالة النفسية للشاعر وهو يصور شعوره واحاسيسه في عقد مشاركة بين امرين حسِّيّين على نحو ما نجده في قول أبي طالب وهو يصف رحلته إلى الشام، وقد تعلق ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله) ـ عندما كان صبيا
ـ بركابه حين ازمع على السفر، فقال من القصيدة الدالية:{من الكامل}
مِثلُ الجُمانِ مُفَرَّقٌ ببدادِ( 28) |
|
فَارفَضَّ مِن عَينَيَّ دَمعٌ ذارِفٌ |
رصد أبو طالب الصورة الحسية للجمان المتلأل
ئ في الواقع، فاخضعها لتجربته الشعرية، فشاكل بين دموعه المتلألئة والمتتابعة في عينيه وحبات اللؤلؤ المتساقطة على مفارق الجواد، فتشبيه دموعه بالجمان لشيء يفخر بنفسه، فبكاؤه عزيز، وإذا بكى فهذا بكاؤه، فالباكي والمبكى عليه يستحقان هذه الصورة مثلما يرى الشاعر، وانمازت الصورة بالاتقان في بيان تفاصيل هيأتها وشكلها التي افضت إلى الوضوح في التعبير عن مشاعر مبدعها.والشاعر يكرر الصورة نفسها بيد أنها أكثر ارتباطا بحالته النفسية وأكثر تميزاً من سابقتها في رسم مشاعره وهو يشكو همومه في القصيدة البائية التي يخاطب بها بني قصي في حصار الشِّعب فقال :
{من المتقارب}
وَدَمعٍ كَسَحِّ السِّقاءِ السَّرِبْ وَهَل يَرجِعُ الحلمُ بَعدَ اللَّعِبْ( 29) |
|
تَطاوَلَ لَيلي بِهَمٍّ وَصِبْ لِلعبِ قُصَيٍّ بِأَحلامِها |
قابل الشاعر بين صورة انحدار دموعه، بانصباب الماء من القِربة وكشفت الصورة التعبير عن احاسيس الشاعر المتوغلة في اعماقه من هموم واحزان متواكبة عليه، فاخرجت صورة تشبيهية ذاتية مستمدة ابعاد طرفيها من العالم المادي؛ لبيان حقيقة نفسية في المبالغة في المعنى الحسي المرسوم بطريقة فنية انيقة متلونة بنقاء السريرة، وشفافية الروح لتصوير غاية نفسية.
والتشبيه الخيالي مستمد جذوره من الصورة الحسية فطرفا كل منها يدرك بالحس، وله اثر في الواقع، بيد أن تركيبه ليس له مثيل حقيقي واقعي، وانما هو مستوحى من الخيال، ومن امثلة هذا اللون من التصوير ما رسمه أبو طالب من صورة خيالية استمد مقوماتها مما بصره من مناظر حقيقية، فكانت وسيلة لنقل تجربته وهو في صدد تهديد قريش عندما افتقد ابن أخيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وظن أن قريشا قتلته، فقال متوعدا وبالحرب مهددا في القصيدة الرائية:
{من الوافر}
وكان النَّقْعَ فوقهم يثورُ وحول النارِ آسادٌ تزيرُ تخال دماءها قِدراً تفورُ( 30) |
|
مُجمَّعة الصفوفِ أُسودُ فهرٍ كأنّ الأفقَ محفوفٌ بنار بمَعتَركٍ المنايا في مَكَرٍّ |
رسم أبو طالب في المشهد التصويري العام للمصاولة والقتال صورة بسيطة تولدت منها صور خيالية مركبة، فقد شبه الشاعر قومه بالاسود، وذوبان الفوارق بين طرفي التشبيه جعل الشاعر يحذف الأداة، ومن هذه الصورة البسيطة في تركيبها تولدت صورة أُخرى فتخيل الشاعر أنهم جالوا في المعركة ومن نتاجها تصاعد الغبار حتى اضحى بهيأة العجاج، فتناثرت الاتربة فوق رؤوس المقاتلين للدلالة على اثر احتدام القتال وسرعة الحركة التي تثير الغبار من الارض بحركة اقدام المتحاربين، ولهذا التفصيل حظ وافر من الدقة التي افادت الحقيقة في وصف المعركة المتخيلة، بيد أنَّ هذه الهيأة المرسومة لم توضح معالمها بصورة متخيلة اكثر لتشوِّق المتلقي إليها، فانتزع الشاعر من هذا المشهد صورة أُخرى ليضارع فيه صورة اجتماع القوم على هيأة وشكل صفوف بصورة مركبة لمشهد الأسود المتجمعة حول النار تملأ آفاق الأرض بجموعها وزئيرها الذي يوحي على الغضب في الانقضاض على العدو.
ومن صورة القتال والانقضاض على العدو تولدت صورة أُخرى في تشبيه دماء القتلى بالماء في القدر والجامع بينهما الغليان والفوران في بيان الحركة والاضطراب، والصورة بسرعة القتل وكثرة عدد القتلى وبشدة القتال وقسوة المقاتلين على اعدائهم في ساحة المعترك .
فالصورة الفنية الكلية التي ابدع الشاعر في رسمها وهو يهدد قريشاً مستمدة عناصرها من العالم المادي وهي الاسود، والغبار، والنار، والماء، والقدر، فجمع خيال الشاعر بينها بعلاقات تعبيرية تقوي الصورة الواقعية فتنصهر معها، وتقربها من الواقع بجمال التعبير التصويري.
ومن أنماط الصورة التشبيهية الصورة العقلية، أو الذهنية، وهي ما لا يدرك طرفاها بالحس، وانما بالعقل، وان كانت الحواس وسيلة الذهن في الادراك، وجمال هذا النمط من التصوير يرجع إلى قدرة الشاعر الابداعية على تقديمه المعنى وتقريبه من الأذهان باخراجه من خفي إلى جلي(
31)، بنقله من المعنوي إلى الحسي، وما يتبع ذلك من متعة الخيال في ادراك الحقائق الأدبية التي تعبر عن فكرة تحمل موقف من مواقف الحياة والكون مثل: الموت والخلود، أو تعبر عن موقف نفسي متخيل مثل: اللذة والالم والحب والبغض والفرح والحزن، يستعملها الشاعر استعمالا فنيا تنم عن تجربته الشعورية في الحياة، فيتفاعل معها تفاعلا تاما في احداث التخيل التي تتولد منه ألفاظ موحية مثيرة للوجدان، فينقاد المتلقي وراءها في متابعة استحكام الاثر التخيلي لمشاعر مبدعها الخاضعة لمعالجته الفنية، ومن امثلة هذا النمط من التصوير ما نجده في رثاء أبي طالب لصديقه مسافر بن أبي عمرو، في قوله:{من الخفيف}
رِكَ نَضحُ الرُّمّانِ وَالزَّيتُونُ( 32) |
|
بُورِكَ المَيِّتُ الغَريبُ كَما بو |
إنَّ بركة الله لاتدرك بالحس، وانما تدرك بالعقل، فتشعر بها النفس ويحس معانيها الوجدان ، وقد عقد أبو طالب وهو يدعو لصديقه مسافر مماثلة في احلال بركته في الأرض التي دُفِن فيها، ببركة رشح الرمان والزيتون، فابعاد الصورة المعنوية تتحد وتنكشف من معرفة البركة في ابسط صورها الدالة على الكثرة في كل خير عائد على بني الانسان بالنفع في الحياة، فنتج من هذه الصورة متعة حية نابضة، توحي بالنماء والزيادة في الخير على الرغم من أن الشاعر في صدد رثاء الفقيد.
ومن الأمثلة التي تظهر فيها براعة الخيال الصورة الذهنية التي سفه بها أبوطالب أحلام قريش لتمنيهم قتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال في القصيدة الميمية:
{من الطويل}
أَمانيُّهم تلكم كَأَحلامِ نائِمِ( 33) |
|
يُمَنُّونكم أَن يقتُلوهُ وَإِنَّما |
ضارع الشاعر بين «الأماني»، وهو لفظ لايدرك معناه بالحس وانما بالوجدان، بامر اخر وهو «الاحلام» الذي لايدرك معناه إلا بالذهن المتخيل، وكلا طرفي التشبيه يدل على أنَّ الأماني غير مجدية والاضغاث احلام غير نافعة، وقد استندت الصورة إلى الشعور والعقل في استعمال فني انيق ضمن سياق التشبيه الذي اكسب المفردات الوانا وظلالا تمد الصورة بتلك الفنية البيانية التي تظهر فيها قدرة الشاعر الخيالية ازاء تجربته الشعرية في معالجة موضوعه الذي يحمل دلالة السخرية والاستهزاء في تسفيه أحلام قريش بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد تتألف الصورتان الحسية والعقلية بصورة واحدة في خلق صورة كلية تنسجم مع بصيرة أبي طالب في فهم الاشياء وربطها بالذهن والفكر، معبرا عنها في رثاء أخيه عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
{من البسيط}
إِذ كانَ مِنها مكانَ الروحِ في الجَسَدِ( 34) |
لَو عاشَ كانَ لِفِهرٍ كُلِّها عَلَماً |
وآلف الشاعر بين صورة عالم الحس في وجود أخيه عبد الله في قومه قريش وشيء ليس مدركا في عالم الحس، وانما بالوهم(
35)، وهو «الروح»، فلا وجود لها في نظر الانسان؛ لأنَّه لايعرف ماهيتها وشكلها فهي شيء وهمي، ولكن حركة نشاط الانسان توحي بوجودها في الجسد.وتكمن أهمية هذه الصورة في تمثيل المعاني المحسوسة بالمعقولة، فعدم استغناء قريش عن عبد الله ، بعدم استغناء الجسد عن الروح في بيان اهميتها ومكانتها؛ لتقوم الصورة بوظيفة تحريك النفس في تأجيج مشاعر السامع بطيب الكلام في التعبير الصوري المؤثر؛ ليدلل الشاعر على حجم الخسارة الكبيرة في فقدان أخيه وهو يصور علو منزلته في قريش كلها .
●
الكناية:الكناية احدى اساليب البيان العربي ووسيلة من وسائل تصوير المعنى فنيا، ومظهر من مظاهر الابداع التعبيري في تجسيد المعنويات ونقلها الى المحسوسات(
36)، وهذه طبيعة التصوير البلاغي التي تكشف عن جمال التعبير الذي يتمثل في طبيعة الوسائل التي تشخص المجردات فتجعلها محسوسة، والمراد بالكناية «ان يريد المتكلم اثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه ورِدُفه في الوجود، فيومىء به إليه، ويجعله دليلا عليه» (37)، وتكمن مزية الكناية في طريق اثبات المعنى وتقريره، وليس في المعنى نفسه الذي يقصد إليه المتكلم، فزيادة اثبات المعنى يجعله ابلغ وآكد واشد، وبهذا كله جاءت الكناية ابلغ من التصريح(38)، وهي تمتاز بالدقة والغموض فتبعث المرء على التفكير واجالة الذهن في معرفة شأنها، بيد أنها تحقق جمال التعبير، وعمق التأثير في نفس المتلقي الذي لايدركها إلا بفحص المعاني والتعرف على ماهيتها في أثرها الايحائي الذي يقدمه المعنى في اطار فني حسن تنم عن ذوق مبدعها،وصفاء قريحته، فتخرج باشكالها المتنوعة من تعريض وتلويح واشارة ورمز بحسب السياق الذي ترد فيه.واعتمد أبو طالب الصورة الكنائية في شعره لتأليف حقائق تحمل تجربته الشعرية المستوعبة لنظام الحياة في مستوياتها المختلفة ولاسيما النظام الاجتماعي، فحملت طابع ابداعه الفني في موضوعات متبانية تدل معانيها على الوقوف على المحمود والمذموم منها في تعابير ابدع في عرضها، وتفنن في ادائها بحسب انماط كنائية متنوعة(
39)، فمن ذلك الصورة الكنائية للقيمة الاجتماعية لظاهرة الكرم التي لها وشيجة قوية بالسيادة وشرف صاحبها فأتحفنا أبوطالب بكناية صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السيد الكريم في قومه، فقال مادحا له في القصيدة الدالية:{من الطويل}
يحضُّ على مقرى الضُّيوف ويَحْشِدُ( 40) |
|
عظيمُ الرَّماد سيِّدٌ وابن سيد |
لوّح أبو طالب عن كرم ابن أخيه «عظيم الرماد» ويتطلب عظم الرماد كثرة احراق الحطب، بيد أن ما ورد في عجز البيت يعزز الكناية في صدره فحشد الضيوف يدل على كثرة الطبخ، وأهم ما انمازت به الصورة اثبات المعنى وتقريره في تكراره، فقد أردف الشاعر ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يحث على اقراء الضيوف، الذي يحقق لوناً من الارتياح في نفوسهم، فتلون كرم الرسول بالمعنى المادي والمعنوي في آنٍ معاً.
وفي شاهد آخر يذكر الشاعر الموصوف بالكرم وصفته، بيد أنه لا يصرح بالنسبة المراد ذكرها على نحو ما نجده في مديحه لأبي قيس بن الأسلت الشاعر المعروف، فقال من القصيدة البائية:
{من الطويل}
قريع النَّدى وابنِ الكرام الأطائبِ( 41) |
ومثلُ أبي قيسِ المصَفَّى من الخنى |
لم ينسب أبو طالب الى الممدوح أبي قيس صفة الكرم بصريح العبارة وانما كنى عن نسبة الكرم إليه فهو «قريع الندى»: سيد الكرم، فحملت القيمة المعنوية للكرم دلالة السيادة والشرف، فهو «المصفى من الخنى»، ومما يقوي نسبة الكرم إلى أبي قيس نعته بابن الكرام،وهذا التوكيد في المعنى أثره في تشديده في ذهن السامع وترسيخه.
وأصَّلَ أبو طالب لزمن القيمة المعنوية للكرم؛ فلوّح إلى كرم قومه للفقراء والمعوزين بعد الميسر، فقال في القصيدة الدالية:
{من الطويل}
إذا جعلتْ أيدي المُفِيْضِينَ تُرْعَدُ( 42) |
ونُطعِم حتّى ينزلَ الناسُ سورَنا |
لايكنّى أبو طالب عن اطعام الناس، وانما اكد هذه القيمة بشدة، بدلالة العبارة «أيدي المُفِيْضِينَ تُرْعَدُ»، ويعني الشاعر «ايدي المفيضين بالقداح في الميسر، وكان لا يفيض معهم في الميسر إلا السخي {...} يريد أبو طالب: إنهم يطعمون اذا بخل الناس»
(43) فنلحظ المزج بين اللعب بالميسر والكرم، ومن هنا رسم الشاعر البعد الزمني لتأصيل ظاهرة الكرم التي هي موضع فخره في التعبير الكنائي ضمن بناء قصيدته.وترد ظاهرة الكرم مرتبطة بشدة الحال لتكون دليلا على كرم صاحبها، فقال أبو طالب في رثاء خاله أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، وهو يعدد فضائله ذاكرا أهم مستلزمات الكرم:
{من الطويل}
مُجَعجِعَةٌ كومٌ سِمانٌ وَباقِرُ زَواهِقُ زُهمٌ أَو مَخاضٌ بَهازِرُ إِذا عَدِموا زاداً فَإِنَّكَ عاقِرُ( 44) |
|
تَرى دارَه لا يبرحُ الدَّهر عِندَها إِذا أُكَلَت يَوماً أَتى الغَدَ مثلَها ضَروبٌ بِنَصلِ السَيفِ سوق سِمانِها |
أخفى الشاعر المنعوت بصفة الكرم، وذكر ما يدل على صفته، فأنت ترى في داره «مجعجعة» كناية عن كثرة الأصوات العالية المتألفة من أصوات النوق السمينة وجماعة البقر، وهذه اذا ما اطعمت للضيوف ذبح في اليوم القادم مثلها من الإبل السمينة الكثيرة الشحم والحوامل، وخص أبو طالب «النوق المخاض»: الحوامل؛ لأنها نواتج تعوض الكريم ما فقده، بيد أن أبا أمية يقدم أفضل ما يملك من النياق الدالة على عزه ومكانته لإقراء الضيف، وهذه غاية الكرم المتمثلة بدعائمه القائمة به.
ويكون الكرم في أي وقت ولكن تزداد الحاجة إليه في انعدام الزاد أي وقت العسرة، «اذا عدموازادا» لتكون شاهدا آخر عن كرم صاحبها في تأصيل القيمة المعنوية لسجية الكرم الموحية بفقدانها برحيل أبي أمية، ليحقق الشاعر إثارة شجون السامعين، فيندبونه بحرارة المشاعر، وقد منح الشاعر الصورة الكنائية بعداً قوياً في بنائها.
وهكذا اتسمت القيمة المعنوية للكرم في شعر أبي طالب بصورة مشهودة يمكن رؤية اثارها للعيان متوسما دقة العبارة ولطفها وانسجامها في بناء القصيدة المستوعبة لتجربته الشعرية.
وكان لقيمة الشجاعة نصيبها في شعر أبي طالب في الصور الكنائية، ومنها الصورة التي تستتر فيها صفة الشجاعة المراد ذكرها والمكملة لصورة الكرم في مديح رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقال أبو طالب في قصيدته الدالية :{من الطويل}
عَلى وَجهِهِ يَسقى الغَمامُ وَيُسعِدُ( 45) |
|
طَوِيلُ النِّجادِ خارِجٌ نِصفُ ساقِهِ |
شمل البيت وصف رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوله: «طويل النجاد» كناية عن طول قامته، فالنجاد يعني حمائل السيف، وطول النجاد يلزم طول صاحبه القوي القادر على القتال، وهي من مستلزمات المقاتل الشجاع.
ولكي يؤكد الشاعر طول قامة ممدوحه الرسول الكريم، وصفه بانه «خارج نصف ساقه» للدلالة على همته، فطول الثوب يعوق حركة صاحبه في اثناء المصاولة بسرعة.
وتأتي صفة الكرم مقترنة بالشجاعة ومتضافرة معها لتكوين شخصية مثالية عالية، وأهم ما انمازت دلالة هذه الصورة من غيرها من صور الشعراء ال
آخرين(46)، ان أبا طالب جمع صورتين كنائيتين بدلالة مكثفة في نصف بيت .ومن سمات الشجاعة الملازمة: السيادة والقيادة في المعركة، فقال أبو طالب في مديح الرسول الكريم في القصيدة ذاتها:
{من الطويل}
عظيمُ اللِّواء أمْرُهُ الدَّهرَ يُحْمَدُ( 47) |
|
هو القائدُ المُهْدى بهِ كلُّ مِنْسَرٍ |
وصف أبو طالب تولي الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) أمر قيادة الجيش في المعركة،ولكي يؤكد الصورة ويقويها، أردفها بصفة كنائية له، فالرسول «عظيم اللواء» كناية عن امرته وسيادته وشجاعته، ومن محاسن التعبير الكنائي انه استثمر لتوكيد المعنى وترسيخه في ذهن السامع.
ويجد أبو طالب في الصورة الكنائية اسلوبا فنيا واضحا للتعبير عن التحدي في مواجهة مشركي قريش في دفاعه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وحمايته له، في فخره الذاتي في القصيدة اللامية، فقال:
{من الطويل}
وَدافَعتُ عَنهُ بِالطُّلى وَالكَلاكِلِ( 48) |
|
وَجُدتُ بِنَفسي دَونَهُ وَحَمَيتُهُ |
اوحت الصورة التعبيرية بدلالة «الطلى والكلاكل» المراد بهما الاعناق والصدور في مواجهة العدو وجها لوجه على الكرّ والاقدام والفروسية والمصاولة،وهذا لا يتم إلا بقلب شجاع جسور.
وعبر الشاعر في هذا الأسلوب الرائق الموحي عن زهوه في محاماة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معالجة فنية متساوقة مع اجزاء بناء قصيدته.
ومن موجبات الشجاعة القوة، فوصف أبو طالب بني هاشم وعبد المطلب اللذينِ شدّا أزره وازر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأعاناهما لقوتهما، فقال في قصيدته البائية:
{من المتقارب}
أَمرّا عَلَينا بِعقدِ الكَربْ( 49) |
|
هُما أَخَوانِ كَعَظمِ اليَمين |
استعمل أبو طالب التعبير الكنائي
«عظم اليمين» كناية عن القوة، فبنو هاشم وعبد المطلب في مؤازرتهم لرسول الله بمثابة عظم اليمين في القوة للدلالة على محبتهم لـه. إنَّ جمال الصورة الكنائية تكمن في شدة مبالغتها، وبراعة ادائها، وقوة بلاغتها؛ لانها تنأى عن التصريح بلفظ التعبير اللطيف، المكثف الدلالة، الغني بالايحاء.وتأتي سمة السيادة تتويجا لقيمتي: الكرم والشجاعة، فالسيادة في المجتمع العربي لها مؤهلاتها التي تجعل المرء زعيما ورئيسا في قومه، وتعطي الكناية صورة لحياة أولئك السادة في اعمالهم، ومنها الصورة التي حفل بها شعر أبي طالب، فتصور عبد المطلب عماد بيت الله الحرام، فقال في القصيدة الميمية يرثيه:
{من البسيط}
أيّامِها وَحِماها الثابِتِ الدِعَمِ( 50) |
بَكَت قُرَيشٌ أَباها كُلّها وَعَلى |
اشاد أبو طالب بصفة الموصوف بعبد المطلب، فهو «الثابت الدِّعم» كناية عن البناء الراسخ في حماية بيت الله الحرام؛ لأنه صاحب سدانة البيت والقائم على استقبال الحجيج الوافدين إلى مكة لاداء مناسكهم على اختلاف الوانهم واصولهم، ومن كانت بيده الرفادة والسقاية والسدانة، فهو الرئيس، ولهذا كله وصفه عماد البيت؛ لسماقة مكانته، وسموه ورفعته باعماله الجليلة المشرفة.
وتتآزر صفة السيادة مع الشجاعة فحماة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والذائدون عنه هم من سادات بني هاشم، فقال أبو طالب من القصيدة الميمية:
{من الوافر}
هُمُ العِرنينُ وَالأَنفُ الصَّميمُ( 51) |
|
وَدونَ مُحَمَّدٍ مِنّا نَدِيٌّ |
كنّى أبو طالب التعبير «الأنفُ الصّميمُ» عن السادة الخُلَّص في اصلهم، توكيدا لدلالة «العرانين» وهم السادة الأشراف؛ لتقوية المعنى في ذهن السامع في تزيين أورمتهم، ولبيان قدر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم، فلا يذود عنه إلا السادة الأشراف الخلص الأصل، فكنّى الشاعر باللفظ الانيق الذي يتناسب وحال فخره وتحديه لقريش بحماية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومساندته والذود عنه.
واذا كانت هذه الصورة مرتبطة بأصل السيادة في صميم الأرومة فان صورة القباب تومىء إلى الزعامة والرئاسة لبني مخزوم، فقال أبو طالب في بيان مكانتهم لأبيه عندما ازمع على ذبح ابنه عبد الله وفاء لنذوره، لعل تهديد أبي طالب(
52) بمكانة أخولَه ترد عزم أبيه عبد المطلب عن ذبح أخيه :{من الرجز}
وبين مخ
ـــزوم ذوي الأحســـابأه
ـــل الجيــــاد القُبِّ والقباب(53)أراد أبو طالب أن يبين مكانة بني مخزوم فصوّر ان القباب الجيدة كانت تضرب لهم تمييزا من غيرهم في الزعامة، وساق أبو طالب هذه الصورة الكنائية رغبة منه في استنهاض همم أخواله من بني مخزوم، ليعترضوا سبيل فعل عبد المطلب في ذبح ابن أختهم، فلا يُرد طلبهم لمكانتهم وعلو شأنهم وسيادتهم بين العرب.
ومن جمال الكناية انها تُصَوَّر المعاني بوصفها جزءاً من معطيات العقل في صورة محسوسة تثير اعجاب المتلقي بروعة ادائها، لامتلاكها الخيال الذي هو من ابرز وسائلها فقد يرد الأسلوب الكنائي في تهجين شيء معين من اعمال البشر التي ترفضها الأعراف الأخلاقية والدينية والاجتماعية ومنها: الغيبة الصفة المذمومة، فصوّر أبو
طالب المعارضين من قريش للدعوة الإسلامية والمناهضين لقوم رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمساندته إياه، بصورة جزر قريش للحوم قوم الرسول بالسكين والسيف بالقول الشائن، فقال ابوطالب في قصيدته اللامية:{من الطويل}
هُمُ ذبحونا بالمُدى والمَغَاوِلِ( 54) |
|
وكُنّا بخيرٍ قبل تسويد معشرٍ |
رسم أبو طالب صورة ايذاء مشركي قريش بالكلام الشائن والفعل الهجين بصورة جزر لحم الانسان، ولا يخفى ما لهذه الصورة من تنفير نفس السامع، ووقعها المؤثر في الصورة المتخيلة من فعل ذبح الانسان لأخيه الانسان.
وساعد أبو لهب في حديث مغرض مع بعض الرجال في مكة عن أبي طالب، فقال أبو طالب معاتبا له ومستهجنا فعله بصورة كنائية مؤثرة:
{من الكامل}
ثَكلَتْك أُمُّكَ أيّ لحمٍ تُجزِرِ؟( 55) |
|
أجْزَرْتَهم لحمي بمكَّة سادراً |
كنّى أبو طالب في التعبير «أجْزَرْتَهُم لحمي ...أي لحم تجزِرِ» عن القيل والقال بالكلام المـُريب الذي صوره خيال الشاعر بمشهد جزر الانسان لحم أخيه الانسان بما فيه من فعل التخيل بأدوات الذبح القاطعة التي تثير في النفس المقت والكره لبشاعة هذا الفعل الهجين الذي يتجرد فيه الانسان من انسانيته والمنفر للأعراف الانسانية كلها.
وتأتي بشاعة هذه الصورة بشكل أكثر تميزاً، لترسيخها في ذهن المتلقي، عند اسراع أُسيد بن أبي العاص بن أمية، وبكره خالد، ورهطهما في سعيهم بقطع لحوم قوم رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى أجزاء وأكلها، فقال أبو طالب في القصيدة اللامية:
{من الطويل}
إِلى بُغضِنا وَجَزاً بأكْلَه آكِلِ( 56) |
|
لَعَمري لَقَد أَجرى أُسَيدٌ وَرهطُهُ |
ساق أبو طالب التعبير «وجَزاً بأكلِهِ آكِلِ» كناية عن غيبة أُسيد وخالد وقومهما لقوم الرسول (صلى الله عليه وآله) فجعلوهم طعمة في افواههم.
إنَّ التصوير الكنائي لمشهد قطع لحم الانسان من مثله من بني البشر ومضغه بصورة الطعام في الأكل تضاعف من بشاعة الصورة، بما تثيره من الاشمئزاز والتقزز، لهول فعل القائم بهذا العمل البغيض.
وصورة الغيبة والنميمة التي اثارها خيال أبي طالب توحي باثم مشركي قريش بمعاداتهم للإسلام، وارتكابهم الخطأ الشنيع بحقه، ويعلل ابوطالب هذا الأمر إلى ضعف عقولهم الذي ابعدهم عن الصواب، فاتحفنا بصورة كنائية أُخرى في القصيدة نفسها:
{من الطويل}
وَجِئتُم بِأَمرٍ مُخطىءٍ لِلمَفاصِلِ( 57) |
|
لَعَمري لَقَد أُوهِنتُمُ وَعَجزتُمُ |
كنّى أبو طالب بموجز العبارة «وجئتُم بأمرٍ مُخطِيءٍ للمفاصلِ» لمن اخطأ الرشد، وهو يصور مشهد قاطع اللحم الذي يبدأ بالمفصل فإن لم يصب أخطأ وافسد؛ لأن حزَّ المفصل يحتاج الى معرفة ودراية بالجزر، ولذلك ضرب العرب المثل بمن لا يجيد معالجة الأمور «انك لتخطىء الحز وتخط
ئ المفصل» (58)، فدلالة الصورة الكنائية بليغة؛ لبعدها عن التصريح في استتار المعنى الذي لايستساغ في الآذان بعبارة مكثفة متساوقة مع الذوق الرفيع.وقد تجنح الصورة الكنائية الى بيان حركات معينة لتدل على موقف نفسي مثل كنايات الندم والحسرة والغيظ والحقد، فيلمح بها إلى عضو الوجه؛ للتعبير عن الانفعال النفسي ايا كان نوعه، وقد يشاركه اعضاء الجسم الأخرى مثل: اليد والاسنان والقلب في الايحاء؛ لتعبر عن حالات الانفعال الانساني على نحو ما وجد أبو طالب سبيله في الكناية عن الندم في الصورة التي يُرغّب بها قريش؛ لاعتناق الدين الإسلامي، فقال في القصيدة الميمية :
{من الطويل}
فمَنْ قالَ: لا، يَقرَعْ بِها سِنَّ نادِمِ( 59) |
|
نَبِيٌّ أَتى بالوَحي مِن عِندِ رَبِّهِ |
استعمل أبو طالب التعبير «سن نادم» كناية عن الحسرة التي تملأ نفوس قريش اسفا إذا هم رفضوا دعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد تقديمه دليل نبوته، فهو نبي نزل الوحي عليه من عند ربه، ومن دواعي الندم عض الأصابع بالأسنان، ويلجأ المرء إلى هذا التصرف عندما يكون في حال صراع مع نفسه.
وقد يعطي الأسلوب الكنائي صورة فنية تدل على الحقد والبغض على نحو ما نجده في خطاب أبي طالب لقريش عندما تحالفوا مع المتهمين في عداوتهم للإسلام ضد من ساند رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قومه، فهم حاقدون عليهم، ولكنهم عاجزون عن حربهم، فقال أبو طالب في القصيدة اللامية:
{من الطويل}
يَعضّونَ غَيظاً خَلفَنا بِالأَنامِلِ( 60) |
|
وَقَد حالَفوا قَوماً عَلَينا أَظِنَّةً |
الصورة مفعمة في الدلالة النفسية لتصوير مشهد عض الأنامل كناية عن الحقد والعداوة المستوحاة من التعبير القرآني، وقد اكسب الشاعر اللفظ «غيظاً» الكناية فعل قوة، وآزرها تكرار المعنى، فالصورة تخرج من أنها اسلوب كنائي عن الحقد والغيض إلى معنى آخر، وهو شدة الحقد والغيظ في توكيد المعنى الذي عبر عنه بعض الأصابع وما يتبعه من حالة الغيظ احتقان الوجه وتغيير لونه في الكيفية التي يتخيلها المتلقي.
وتبرز صورة الحالة النفسية لمعارضي الدعوة الإسلامية بشكل واضح أكثر من سابقتها في الصورة الكنائية التي خاطب فيها أبو طالب أبا جهل فقال:
{من الكامل}
فتميَّزوا غيظاً به وتقطَّعوا( 61) |
|
صدق ابنُ آمنة النبيُّ محمدٌ |
يجد أبو طالب في الصورة الكنائية «تميزوا غيظاً» اسلوبا فنيا مستثمرا من التعبير القرآني «تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ...»(
62) فكنّى عن حقد الذين لم يؤمنوا بصدق رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبغضهم له، فيشتد حقدهم في نفوسهم، ويعاضد المعنى لفظ «تقطَّعُوا» للدلالة على امتلاء النفس بالحقد والبغض الكبيرين، وكأنَّهما يقطعانهم أوصالاً، لشدة توترهم النفسي وهذه صورة جديدة تكشف طوايا النفس الذميمة.وينقل أبو طالب صور نفسية تحمل شعور الحقد الذي يكنه المرء بداخله في عرقة العظم، فرسم المنظر الكنائي النفسي وهو يعاتب مطعِم بن عدي في القصيدة اللامية، فقال:
{من الطويل}
شَفيقٌ وتُخفي عارِقاتِ الدَّواخِلِ( 63) |
|
تُخبِّرُنا فِعلَ المُناصِحِ أَنَّهُ |
أورد الشاعر عبارة «عارقات الدواخل» كناية عن نسبة النيات الخبيثات المضمرة في القلب، ليجعلها دليلاً على حقد صاحبها الذي
لا مناص له من مفارقتها؛ لأن الحقد متأصل في صميم عرقة العظم، وهو يقوي خبر كذب مطعِم في ادعائه النصح والرأفة، والصورة توحي بسخرية الشاعر واستهزائه بالتناقض النفسي الذي يتحلى به مطعِم؛ لأن ظاهره غير باطنه، فحققت الصورة الكنائية للمتلقي متعة كشف المعنى المستتر، فشارك الشاعر في متعته بتجربته الشعرية .●
الاستعارة:وتعمل الاستعارة على تجسيم الاشياء وتشخيصها، وخلق صورة خيالية باستعارة شيء لشيء آخر ليس من طبعه؛ لتقرب المعنى إلى ذهن السامع وتثير خياله، فيأنس بها، والاستعارة «ما اكتفى فيها بالاسم المستعار في الأصل، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لايوجد بينهما منافرة، ولايتبين في أحدهما اعراض عن الآخر»
(64) فتكتسب الاستعارة النص قوة وفاعلية من خلال السياق العام الذي ولدت فيه حيث تتآزر العلاقات اللغوية.ويقوم التعبير الاستعاري على التشبيه؛ ولذلك عد التشبيه هو الاساس والاستعارة فرع له، فأنت «تُريد تشبيه الشيء بالشيء، فتَدَعَ أن تفصحَ بالتشبيه وتظهره، وتجيءَ إلى اسم المشبه به فتعيرَهُ المشبه وتُجريَهُ عليه»
(65).والاستعارة قائمة على خرق النظام اللغوي المألوف، فتخرج الألفاظ من دلالاتها الوضعية، أو المعجيمة إلى دلالات ايحائية تتسم بالجمال الفني، والابتكار الصوري، وتستوعب افكار مبدعها ومشاعره وانفعاله، فتحدث أثرا في نفوس سامعيها بشتى المشاعر، وبمختلف الانفعالات، فتحرك وجدانهم بروعة ابداعها؛ لأنها تُنسيهم واقعية الاشياء ببراعة التصوير الذي يعتمد على قدرة المبدع في اظهار القيمة الجمالية لها، بخلق وجود جديد للعبارة يثمر دلالة جديدة تتجاوز المدلول اللغوي الوضعي الأول لها، وبتوسع مداليلها، وبسحر عالم الخيال فيها
.وفي نظرة فاحصة في شعر أبي طالب
(66) نجده يرتقي بالصورة التي رسمها؛ ليمنحها الحياة والحركة المتجددة وهو يعبر عن المعنى الحسي المتخيل، أو المعنى الذهني، أو الحال النفسية، فيضحى المعنى الحسي مشهدا منظورا، والمعنى الذهني هيأة وحركة، والحالة النفسية لوحة فنية متخيلة، تبعا لتجربته الشعرية، ولخصوبة خياله، وتمكنه من ملكاته اللغوية التي توحي مداليلها بطاقات ايحائية تشد المتلقي للصورة وتثير انفعاله في تجاوبه معها.ومن انواع الصورة الاستعارية، الصورة الحسية التي يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) ويسكن جأشه، ويطلب منه اظهار دعوته، فقال:
{من البسيط}
إبراقُ أيدٍ ولا إرعادُ أصوات( 67) |
لايَمْنَعنَّك من حقٍّ تقوم به |
حث أبو طالب في هذه الصورة الاستعارية ابن أخيه بان لا يتورع عن بذل الحق الذي يناصره، ولا يعبأ بمن يعارضه بيده وبقوله، فرسم خياله صورتين: الأولى، «إبراقُ ايدٍ»، والثانية، «إرعادُ أصوات» وفي كلتا الصورتين حذف الشاعر صورة المشبه: الرعد، وصرح بلازمتين من لوازمه وهما: البرق وصوته، وكلاهما محقق تحقيقا حسيا، اتحدتا فيهما دلالة جامعة،وهي عدم الفائدة لفراغهما؛ لأن البرق لايعقبه المطر مثلما حركة اليد التي لا تعقبها صولة، وكذا الرعد الذي لايعقبه صاعقة مثل الصوت الذي لايعقبه عمل، فجميعهم لاطائل من ورائهم، والقرينة المانعة لإيراد المعنى الحقيقي في الصورة الاولى اليد، وفي الصورة الثانية القول، فالبرق لايكون يدا كما ان الرعد لايكون قولا، وقد اجتاز اللفظان: (إبراق وإرعاد) الواقع الحقيقي وارتقيا إلى طباع الانسان في الحركة والهيأة، بصورة مؤثرة توحي بالغضب والضجيج من فعل انواء الجو وتمثلها الواضح لموقف المعارضين لدعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
ونظير هذا النوع من الصور الاستعارية ما ورد في سياق الفخر فقال أبوطالب:
{من الطويل}
وَنَضرِبُ عَن أَحجارِها مَن يَرومُها( 68) |
وَنَحمي حِماها كُلَّ يَومِ كَريهَةٍ |
صوّر أبوطالب فخره الجماعي في الحرب بدفاعهم عن مكة بحصونها،
ومعاقلها، واحجارها: أراد بيوتها ومساكنها، فقد طوى الشاعر صورة المشبه وهي البيوت وترك شيئا يدل عليها وهي الاحجار فصرح بها، وكلا الطرفين محققٌ تحقيقاً حسياً، اتحدتا فيهما دلالة جامعة وهي الحماية والدفاع، فأتت الصورة الاستعارية متفاعلة مع زهو الشاعر في فخره الجماعي.وقد تشترك الصورة الحسية مع الصورة العقلية في آن معا، على نحو ما تتمثله الحكمة في احتمال الانسان الصبر احتسابا لله، فيكون عمله هذا سبيلا لفرج الله تعالى، فقال أبو طالب:
{من البسيط}
باللهِ إلا أتاهُ اللهُ بالفَرَجِ( 69) |
|
فما تجرَّع كأسَ الصبرِ معتصمٌ |
إنَّ صورة من يتجرّع الدواء انما تماثل صورة من يتجرّع الالم صبرا حيث يجد المرء مرارة في قبول الاثنين، وقد اختزل الشاعر صورة المشبه وهو الانسان وترك أثرا من اثاره يدل عليه، وهو الكأس الذي يشرب به الدواء، والقرينة الجامعة حال من يشرب الدواء بالكاس بدلالة لفظ «تجرّع» الذي يحتقن في البلعوم وهلة، بحال الصابر الذي يتجرّع الألم ايا كان نوعه وهلة، وقد أخذ الشاعر المستعار منه إحدى أدواته واضاف الصبر إليه رعاية لمزيد من البيان، وافراطا في تحصيل البلاغة، وجعل ما ليس محسوسا بمحسوس فشبّه المحسوس بشيء آخر معنوي حتى غدا المعنوي جزءا من عوالم الحس يذوقه اللسان ويحس طعمه ببراعة خيال الشاعر التي زين الصورة وقوى ايحائها.
وتضارع هذه الصورة صورة وصف أبي طالب للأيام المجدبة على الناس في سياق الفخر بكرم قومه، فقال في القصيدة الميمية:
{من المتقارب}
نُجيرُ وَكُنّا بِها نُطعِمُ وَحبَّ القُتار بِها المُعدِمُ( 70) |
|
نَشأنا فكُنّا قَليلاً بِها إِذا عَضَّ أَزمُ السنين الأَنامَ |
استعار الشاعر لفظ «عض» وهو أمر محقق تحقيقا حسيا، من مستلزمات الانسان والحيوان إلى شدائد السنين وهو أمر محقق تحقيقا عقليا،والقرينة الجامعة لهما تدل على الانقضاض بالغم والفقر في تصوير بليغ يشد انتباه السامع بتخيل الصورة فيجعله يتغافل عما يتضمنه الكلام من تشبيه مستتر بقوة تأثيرها.
ومما تقدم يتبين: ان الصورة البيانية في شعر أبي طالب اقتضتها الموهبة الأدبية، والفكر العميق والخيال الواسع، والقدرة الابداعية على توليد المعاني وتوليفها واتساعها التي لها اثرها البليغ في التصوير.
فالتشبيه وسيلة الشاعر لتوضيح معالم الصورة، وتقريبها إلى الأذهان، وامتاع نفوس السامعين بارتقائها إلى الخيال.
والكناية لغة التعبير غير المباشرة التي تمنح الصورة التهذيب واللطافة والياقة في تصوير الاشياء.
والاستعارة فرع على التشبيه بيد أنَّها أشد وقعا في النفس؛ لاثارتها الخيال الجامح بما توحيه من قوة التمثيل المتأتية من اللفظ في اغفال المشبّه، وتخيل صورة جديدة، وابتكار المعاني في القدرة على تجسيد الافكار، والمشاعر بصورة مألوفة حسية.
***
(
1) ظ: الشعر الجاهلي: 84- 86.(
2) ظ: انساب الاشراف: 1/58، 59، 60، 61، 73- 74، 75، 83، 89.(
3) ظ:ديوان امرىء القيس: 200، استعمل امرؤ القيس هذه الصورة في رثاء جماعة من قومه قد اصيبوا على يد اتباع الملك المنذر حسدا لهم، ظ: ديوان النابغة الذبياني: 42- 43، استعمل النابغة هذه الصورة في مديح قوم عمرو بن الحارث بن الاعرج.(
4) الديوان: 127، الكهول: الرجال، القماقم: مفردها القمقام وهو السيد.(
5) ظ: الديوان: 212.(
6) م.ن: 212.(
7) الديوان: 112.(
8) الديوان : 103.(
9) م.ن: 124.(
10) ظ: م.ن: 198، 331، 333.(
11) الديوان: 97، كسوف القحط: شدته.(
12) خزانة الأدب: 4/ 245.(
13) الانعام/ 152.(
14) ظ: الديوان: 73- 75.(
15) م.ن: 80، يغيض: ينقص، الشاهد: اللسان.(
16) الانعام/ 70، يونس/ 4.(
17) ظ: الديوان: 218- 219.(
18) م.ن 343، البيت في المستدرك تابع للقصيدة الميمية ظ: م.ن: 218- 219.(
19) ظ: الديوان: 186.(
20) م.ن: 187.(
21) مجمع الامثال: 1/99.(
22) ظ: الديوان: 92.(
23) الديوان : 92، قال أبو هفان: «قالوا أراد الأسود بن عبد العُزى، وقالوا أراد اللّيل، وقالوا: أراد الحَجَر الأسود، أي لو تكلم لأنْبّأ بفَضْلِنا»، م.ن: 92، وقال السُّهيلي: «أسود: اسم جبل كان قد قتل فيه قتيل، فلم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول هذه المقالة، فذهبت مثلا»، الرُّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/166، لم نعثر على المثل في كتب الأمثال، ظ: جمهرة الأمثال، فصل المقال في شرح كتب الأمثال، مجمع الأمثال، المستقصى في أمثال العرب.(
24) لانعدم في الصورة الحقيقية من وجود تعابير فنية ذات قيمة جمالية بدرجة تقترب من جمال الصورة المجازية، في الوقت نفسه قد تفتقر الصور المجازية الى التأثير كما نلحظ في الصور التشبيهية التقريرية في شعر أبي طالب، ظ: الديوان: 71، 73، 75، 80، 83، 109، 101، 111، 124، 244، 331، 333، 334.(
25) الايضاح في علوم البلاغة: 2/ 328.(
26) ظ: الديوان: 71، 72، 73، 74، 75، 78، 79، 80، 81، 83، 84، 88، 90، 91، 92، 93، 95، 98، 102، 104، 107، 108، 109، 101، 112، 115، 116، 119، 121، 124، 127، 130، 133، 150، 172، 184، 223، 235، 241، 244، 246، 259، 331، 333، 334، 335، 336، 344.(
27) الديوان: 71.(
28) م.ن : 130.(
29) م.ن : 115.(
30) الديوان: 244.(
31) ظ: اسرار البلاغة في علم البيان: 102- 103.(
32) الديوان: 104.(
33) م.ن : 127.(
34) الديوان : 98.(
35) الفرق بين التشبيه الخيالي والتشبيه الوهمي «هو ان الخيال أكثر ما يكون في الأمور المحسوسة فأما الأمور الوهمية فانما تكون في المحسوسة وغير المحسوسة مما يكون حاصلا في التوهم وداخلا فيه»، الطراز: 1/273.(
36) ظ: التصوير البياني: 238- 239.(
37) دلائل الاعجاز: 66.(
38) ظ:م.ن : 71.(
39) ظ: الديوان: 70، 71، 72، 73، 75، 77، 78، 79، 81،82، 83، 87،89، 90، 91، 95 ، 96، 97، 101 ،102 ،103، 104، 107، 113،114، 115، 116،117، 118 ، 122، 124،126، 131، 134،149، 164، 169، 177، 180، 184، 205، 106، 221، 231، 235، 240، 241، 246، 329، 330، 331، 335 .(
40) م.ن : 90، وصدر البيت غير مستقيم.(
41) الديوان : 206.(
42) م.ن: 139.(
43) الرُّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/165.(
44) خزانة الأدب: 4/245، الزواهق: مفردها زاهقة وهي السمينة، زُهم: كثيرات الشحم، البهازر: مفردها البُهْزُرة، وهي الناقة العظيمة، سوق: مفردها ساق.(
45) الديوان: 90، صدر البيت غير مستقيم.(
46) ظ: الاصمعيات: (ديد بن الصمة):108، ديوان الاعشى الكبير: 75، 147، ديوان الخنساء:351.(
47) الديوان: 91.(
48) م.ن: 85.(
49) الديوان: 115، أمرّا: أحكما وشدّا، الكرب: حُبيل يصل رشاء الدلو بالخشبة المعترضة عليها.(
50) م.ن: 97.(
51) الديوان: 122.(
52) ظ:م.ن : 331(
53) الديوان: 330.(
54) الديوان: 82، نظمت القصيدة في حصار الشِّعب، في السنة السادسة من البعثة ولابد من ان أباطالب تشرب بالتعاليم الإسلامية، إذ ورد مفهوم الغيبة على وفق تلك التعاليم.(
55) الديوان : 184.(
56) م.ن: 75.(
57) الديوان: 81.(
58) مجمع الامثال: 1/57.(
59) الديوان: 228(
60) الديوان: 70.(
61) الديوان: 339.(
62) الملك/ 8.(
63) الديوان: 79.(
64) الوساطة بين المتنبي وخصومه: 41، اخترنا هذا التعريف من كتاب الوساطة من دون غيره من كتب البلاغة، لانه جامع لتقنيات التعبير الاستعاري.(
65) دلائل الاعجاز: 67.(
66) ظ: الديوان: 70، 75، 87، 94، 96، 97، 100، 101، 102، 103، 113، 114، 117، 118، 119، 126، 136، 175، 177، 208، 235، 239، 240، 241، 331، 333، 335، 338، 341، 343.(
67) الديوان: 208.(
68) الديوان: 114.(
69) م.ن: 331.(
70) الديوان: 94، القتار: ريح الشواء والطبيخ.