الرثاء والفخر والمديح
علاقة الرثاء بالفخر والمديح
أومأ بعض النقاد القدامى إلى أن ثمة علاقة بين الرثاء والمديح، فجعلوا الرثاء فنا
ً تابعاً للمديح، فقال ابن سلام ما نصه «ان التأبين مدح الميت والثناء عليه... والمدح للحي» (1)، وتابعه قدامة بن جعفر (ت337هـ) في ربط الرثاء بالمديح فقال: «ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على انه لهالك مثل: كان، وتولى، وقضى نحبه، وما اشبه ذلك، وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه، لان تأبين الميت انما هو بمثل ما كان يمدح في حياته» (2)، ونهج ابن رشيق القيرواني (ت456هـ) المنهج نفسه في تلك الاحكام، فقال: «وليس بين الرثاء والمدح فرق إلا انه يخلط بالرثاء شيء يدل على ان المقصود به ميت مثل كان أو عدمنا به كيت وكيت وما يشاكل هذا ليعلم انه ميت» (3)، على ان الحال النفسية التي يكون عليه الراثي ساعة الابداع الشعري لا تستوي مع الحال النفسية التي يكون عليها المادح، فالراثي وهو يمدح الفقيد انما يرثيه بعاطفة حزينة وموجعة، والمادح انما يمدح بعاطفة الاعجاب بالقيم الاصيلة التي يتوسمها بالممدوح، ونفسه تشع بهجة وسرورا.بيد أنَّ هناك رابطا قويا في الحالين، وهو ان الراثي عندما يمدح اثار الفقيد لمن حوله من المستمعين، فيريهم في فقيدهم اسمى صور الكمال التي تثير فيهم عاطفة الاعجاب والحزن الممزوجة بخسارة الميت، فيدفعهم الى بكائه اعجابا بما يمتلك من صفات وحزناً واسفاً وحسرةً لفقده(
4).وعندما يمدح الشاعر الممدوح، وهو يرسم صور الاعجاب فيه باعلى درجات الكمال، فإن المادح والمستمعين سيكونون مدفوعين بعاطفة الاعجاب ومتوسمين عمل الممدوح بالفضائل الجليلة، والاعمال الخالدة، والسجايا الحميدة،والمآثر العريقة التي اشاد بها الشاعر؛ ليعمل الممدوح جاهدا؛ لتحقيقها والارتقاء اليها بأبهى صورة.
اما علاقة الفخر بالمديح، فتكمن في أن كلا الضربين يتغنى بهما الشاعر بالفضائل الكريمة، والخصال الجليلة، والافعال الطيبة، والسجايا النفسية والحسية الحميدتين، فالفخر والمديح يصبان في مجرى واحد، فقد عد الفخر من باب المديح، وانما هو «المديح نفسه، إلا أن الشاعر يخص به نفسه وقومه، وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار، وكل ما قبح فيه قبح في الافتخار»
(5) على الرغم من وجود فارق بينهما من «ان المادح يجوز له ان يصف ممدوحه بالحسن والجمال، ولايسوغ للمفتخر ان يصف نفسه بذلك» (6).فنقطة الالتقاء بين هذه الموضوعات الثلاثة، جعلتنا ندرجها في فصل واحد طارقين المعاني القديمة والمتطورة والجديدة في اثناء عرض كل فن منها .
فن من فنون الشعر العربي المعروفة قبل الإسلام، وهو وسيلة يعرب بها المرء عن خلجات نفسه واتراحها عندما يمر بتجربة مؤلمة تفقده أحَد ذويه من الأهل والأقارب والأصدقاء وغيرهم، فيبكيه بدموع سجام، وبحرارة محرقة،وهو يصور خسارة الفقيد بموته متفجعا بين اللهفة والحسرة، فسبيل «الرثاء ان يكون ظاهر التفجع بين الحسرة، مخلوطا بالتلهف والاسف والاستعظام، ان كان الميت ملكا أو رئيسا كبيرا»
(7) وفي اثناء ذلك كله قد لاينسى الشاعر ان يثني على الفقيد ويذكر خصائله باحساس صادق وحزن عميق، وقلب ملتهب لفراقه، وهذا ما يقرب لنا ما أورده الأصمعي حين سأل أحَد الأعراب: «ما بال المراثي اشرف اشعاركم؟ قال: لأنا نقولها وقلوبنا محترقة» (8).ونتيجة للتباين الحاصل بالتعبير عن الاحاسيس بألم الفراق، والشعور بالحزن، والتفجع بالمصاب اتخذ الرثاء صورا تمثلت بالندب والتأبين والعزاء.
يعني البكاء على الميت، وتعداد محاسنه، والثناء عليه(
9)، والنواح بكلام حزين مفجع يجعل عيون الباكين تذرف الدموع الغزار، وأكبادهم تحترق من شدة المصاب لفراق الفقيد.إن نظرة فاحصة في النصوص التي وردت في ديوان أبي طالب بحسب كثرة ورودها تكشف انه رثى نادبا أفراد أسرته: أخويه: عبد الله والد الرسول (صلى الله عليه وآله) والزبير وهما من أمه وأبيه، وأباه عبد المطلب، وخاليه: هشام بن المغيرة، وأبا أمية بن المغيرة، ونديمه مسافر بن أبي عمرو(
10).وكان رثاؤه لأخويه أكثر بروزا في الديوان، ومن ثم لأبيه وخاليه ونديمه وتبرز هذه الظاهرة لشدة الرابطة الأسرية التي تربط الأخ بأخيه، ففقد الأخ عند الرجل القوي قاصم للظهر(
11)؛ لان الأخ سند الرجل ومعتمده إمام محن الحياة ومعتركها.وفَقَدَ أبو طالب عزه وسنده المعتمد عليه عبد الله(
12)، ولاستكمال حزن أفراد أسرته، ندبه أبو طالب وبكاه أبوه وأخوته بدموع غزيرة، فقال نادباً:{من البسيط}
عَيْني اِئْذَني بِبُكاءٍ آخِرَ الأَبَدِ أَشكو الَّذي بي مِنَ الوَجدِ الشَديدِ لَهُ أَضحى أَبوهُ لَهُ يَبكي وَإِخوتُهُ لَو عاشَ كانَ لِفِهرٍ كُلِّها عَلَماً |
|
وَلا تَمَلّي عَلى قَرْمٍ لَنا سَنَدِ وَما بِقَلبي مِنَ الآلامِ وَالكَمَدِ بِكُلِّ دَمعٍ عَلى الخَدَّينِ مُطَّرِدِ إِذ كانَ مِنها مكانَ الروحِ في الجَسَدِ( 13) |
إن شدة المصاب جمدت دموع الشاعر، لذلك يخاطب عينيه بان تجودا عليه بالبكاء، فذرف الدموع يكشف ما لها من أثر في إطفاء لظى الوجد، وحرقة الفؤاد ولهيب العبرة؛ لأن كتمان البكاء يصدع القلب، ويؤلم النفس، ولاسيما إذا كان الفقيد في مقتبل عمره، يُتَوسَّم به تحقيق الأماني في حياته، فبكى أبو طالب أمنيته الضائعة التي اختطها الموت عندما خطف أثر أخيه؛ لأنه لو عاش لكان علما متألقا في قريش، فخدعه أمله، وهذا الوصف له بالغ الأثر في نفوس سامعيه.
وبعد وفاة أخيه عبد الله بثماني سنين(
14)، تُوفي أبوه عبد المطلب، فندبه أبو طالب من قلب مكلوم نافذ إلى اعماق وجدانه، وهو يصور دقة احاسيسه بفاجعة وفاته، فهول المصاب ابكى العيون عليه، وارسل الدموع مدرارا فقال:{من البسيط}
أبكى العيونَ وأذرى دَمعها دِرَرا .... بَكَتْ قُرَيشٌ أَباها كُلِّها وَعَلى صَفِيُّ بَكِّي وَجودي بِالدُموعِ لَهُ تُجِبكِ نُسوَةُ رَهطٍ مِن بَني أَسَدٍ أَلَمْ يَكُنْ زَيْنَ أَهلِ الأَرضِ كُلِّهِم |
|
مصابُ شيبة بيتِ الدِّينِ والكَرَمِ ... .أيَّامِها وَحِماها الثابِتِ الدِّعَمِ وَأسْعِدي يا أُمَيْم اليَومَ بِالسَّجَمِ وَالغُرِّ زَهرَةَ بَعدَ العُرْبِ وَالعَجَمِ وَعِصمَةَ الخَلْقِ مِن عادٍ وَمِن أرِمِ (15) |
إنَّ استعمال الشاعر لفظ (أب) لعبد المطلب يوضح مكانة المندوب في قومه، فهو لاشك يحنو عليهم حنو الاب فكأن لهم ابا، وهم يجلونه اجلال الاب فكانوا له ابناء.
وأبو طالب عندما يرثي أباه انما يرثي بيت الدين وشعيرة الكرم بفقدانه، فمصابه شبيه مصاب بيت الله الحرام بفقده إياه، وهذه من المعاني الجديدة التي زادها أبوطالب في فن الرثاء، ومن المعروف ان اباه عبد المطلب كانت سدانة الكعبة في يده، ومن الرجال المشهورين بمكة في الكرم، وقد اقترنت السيادة بكرم صاحبها؛ ولهذا بكت قريش أباها عماد البيت، وطالب أبو طالب أُختيه: صفية وأميمة بان تجود عيناهما بالدموع السجام لأبيهما؛ لتظل العيون سخية له، وهو يصدر احاسيس الشجن ضمن اطار الاسرة.
ولكي يستكمل الشاعر مقومات الحزن في الأسرة والمجتمع القرشي بعد ان وصف بكاء قريش بشكل عام، وصف مشاركة نساء قريش من بني اسد وزهرة، وهن يشاركن بنات الفقيد في النواح والبكاء، وخص الشاعر هذين البيتين؛ لأن أسد أخو عبد المطلب، وزهرة من اصهاره، فأدرار الدموع، وطلب البكاء والنحيب، ومشاركة قريش رجالا ونساء لحزن أهل الفقيد ترسم صورة واحدة لفداحة فقدان عبد المطلب عمود الدين وسيد الكرم، والشاعر عاجز عن بلوغ الغاية التي يستحقها المرثي، فالأسى والبكاء لايفيان بحقه؛ لأنَّ الراحل زين أهل الارض، وعصمة الخلق جميعهم.
وتحدرت دموع أبي طالب على وجنتيه بسخاء، ونفسه تنفث الحسرات المحرقة على أخيه الراحل الزبير(
16)، الذي كان أحد حكام قريش(17)، وسيد من ساداتها وسخيا كريما، وعلما باسقا، فقال نادبا أخاه:{من الخفيف}
أَسبَلت عَبرَةٌ عَلى الوَجَناتِ لأخِ سَيِّدٍ نَجيبٍ لِقَرمٍ |
|
قَد مَرَتْها عَظيمَةُ الحَسَراتِ سيّدٍ في الذُّرى مِنَ الساداتِ( 18) |
إنَّ بكاء الشاعر على اخيه يفسر حسرات نفسه الملتهبة من اغوارها، ولكي يريحها؛ اطلق العنان لدموعه ان تسيل مدرارا
ً؛ ليشفي غليله المحرق، ويمنح الراحة لقلبه.وقد يكون احد بواعث البكاء على الفقيد رؤية ابنه، فيبعث في النفس الأسى والحزن والبكاء، فقال:
{من الطويل}
ألَمْ تَرَني من بَعْدِ همٍّ هَمَمْتُهُ بأحمدَ لمَّا أنْ شَدَدْتُ مَطِيَّتي فلمَا بكى والعِيسُ قد قُلْصت بنا ذكرتُ أباهُ ثم رَقرَقتُ عَبْرَةً |
|
بفُرْقَةِ حُرٍّ من أبيْنَ كِرامِ برَحْلي وقد وَدَّعْتُهُ بسَلام وقد ناشَ بالكَفَّيْنِ ثِنْيَ زِمامِ تجودُ من العينَيْنِ ذاتَ سِجَامِ( 19) |
عبر أبو طالب عن هذا المعنى عندما كان عازما على الرحيل إلى بلاد الشام للتجارة(
20)، رأى النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وهو في كنفه عندما كان صغيرا ان الراحلة تهيأت ايذانا بالسفر، اخذ بزمام ناقة عمه وبكاه تعلقا به، فأثار أبو طالب مشهد بكاء ابن أخيه وتعلقه بالراحلة، فتداعت له ذكرى أخيه الراحل عبد الله والد النبي، فانهمرت عيناه بالدموع السجام، وبكاءه بالدموع الغزيرة يدل على وفائه لذكراه، وحسرة لفراقه.وقال أبو طالب في قصيدة «رثى بها أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان ختنه، فخرج تاجرا إلى الشام فمات بموضع يقال له سرو سحيم»
(21) نادبا إياه بهذه الأبيات :{من الطويل}
أَرقتُ وَدَمعُ العَينِ في العَينِ غائرُ كَأَنَّ فِراشي فَوقَهُ نارُ مَوقِدٍ عَلى خَيرِ حافٍ مِن قريشٍ وَناعِلٍ أَلا إِنَّ زادَ الرَكبِ غَير مُدافَعٍ |
|
وَجادَت بِما فيها الشُّؤونُ الأَعاوِرُ مِنَ اللِّيلِ أَو فَوقَ الفِراشِ السَّواجِرُ إِذا الخَيرُ يُرجى أَو إِذا الشَرُّ حاضِرُ بِسروِ سُحَيم غَيَّبَتْهُ المَقابِرُ( 22) |
وثمة علاقة بين العين وما تفيض من الدموع الكثيرة وعدم رقادها، وما يتبع ذلك كله من سهر الشاعر فالليل مجلب للاحزان وهذه صورة معبرة عن حال المصاب تكشف معاناته في الليل، فيحس فراشه نارا، غمرته دموعه الحارقة كالسيل، لفقدان خاله أبي أمية الذي كان يتصدى لاداء الخير، ولدفع الشر.
ـ التأبين :
ومن صور الرثاء التأبين، وهي صورة تختلف عن الندب، فالشاعر لايظهر حزنه فحسب، وانما يتجاوزه ليعبر عن حزن الجماعة وما فقدته من عزيز عليها لما لهذا الفقيد الراحل من أثر بيِّن فيهم بما يتحلى من صفات كريمة، وخلال بهية، وشمائل رفيعة، واعمال جليلة، فالتأبين ليس نواحا ونشيجا، وانما هو أقرب إلى الثناء منه إلى الحزن الخالص، فاذا خرَّ نجم لامع من المجتمع، اشاد الشعراء بمنزلته السامقة، وكأنهم يريدون ان يصوِّروا فداحة خسارة الناس فيه؛ لذلك كان التأبين ضربا من التعاطف الاجتماعي يعبر الشاعر فيه عن حزن الجماعة بفقده، فيسعى لتسجيل فضائله بالحاح، وكأنه يريد أن يحفرها في ذاكرة الناس على مر الاجيال(
23).وبعد ذكر تجربة الحزن التي يعانيها الشاعر حين يفارق احباءه واعزاءه وندبه لموت الفقيد وذرف عينه الدموع المحرقة حزنا واسى عليه، يجد الشاعر سبيلا إلى ذكر مناقب الفقيد وخصائله، وهذا الامر مُستَحسَن في المراثي، «فأحسن الشعر ما
خلط مدحا بتفجع» (24)، أي مدح مناقب الراحل وسجاياه وفضائله وشمائله الحميدة التي يتحلى بها، فتعلو من شأنه أمام الناس لتجعله مثالا سامقا يتوق اليه الجميع، ومن اهم الفضائل التي أبَّنها ابوطالب في احبابه الراحلين إلى الحياة الآخرة: شرف السيادة، وعلو المجد، ونقاء النسب، والشجاعة الفائقة، واغاثة الجائع، وشعيرة الكرم، والتجمل بالصبر(25).إنَّ اعتزاز العربي بعلو مكانته وعظم سيادته وعراقة نسبه لايدانيه أي اعتزاز ومن كانت هذه صفاته وجب على الشاعر الحديث عنها، ولاسيما اذا كان الفقيد أباه، أو أخاه، وقد أومأ أبوطالب إلى هذه القيم في مراثيه، فأبَّن أخاه الذي كان سخيا شريفا في قومه وسيد الناس حيا وميتا، وكأن أبا طالب يريد أن يرثي فضائله وخلائله وسجاياه وشمائله الجليلة بموته فقال بعد ان بكاه(
26):{من الخفيف}
سَيِّدٌ وَاِبنُ سادَةٍ أَحرَزوا المَجـ جَعَلَ اللهُ مَجدَهُ وَعُلاهُ مِن بَني هاشِمٍ وَعَبدِ مَنَافِ حَيُّهُم سَيِّدٌ الأحياءِ ذا الخَلْـ |
|
ـدَ قَديماً وَشَيَّدوا المَكرُماتِ في بَنيهِ نَجابَةً وَالبَناتِ وَقُصَّيٍّ أَربابِ أَهْلِ الحَياةِ ـقِ وَمَنْ ماتَ سَيِّدُ الأَمواتِ(27 ) |
وهذه من المعاني القديمة التي ابّن بها أبو طالب اخاه الزبير بن عبد المطلب في الاشادة بجليل فضائله، فهو سيد السادات في العلو والمجد والكرم من بيت لا يبلغ مفاخره علو منزلته وشرف نسبه، فالزبير من بني هاشم بن عبد مناف بن قصي، وهؤلاء جميعهم سادات الدنيا، فجمع الزبير شرف النسب وشرف الكرم، فهو شيَّد المكرمات مع ابائه، وقد اقترنت فضيلة الكرم بالسيادة؛ لأنها من سجايا السيد الشريف، وهذا ما عرف عنهم من سعة كرمهم، وكثرة معروفهم(
28).وبعد أن ندب أبو طالب أباه حزنا وشجى وبكاءً(
29)، أبَّنه بفضائله الجليلة على الناس جميعهم، ومنها السيادة والكرم والشجاعة، فالسيادة في نظر الناس تعني القوة والمنعة والحماية، أي جزء من الشجاعة، ولا يكون السيد ذا هيبة ومحرزا المجد ما لم يكن معقلا يُلجا اليه في الشدائد، ويلوذ به الناس عند الحاجة، فهو الجواد السخي؛ لأن «السخاء اخو الشجاعة، وهما في أكثر الأُمور موجودان في ذوي بعد الهمة والاقدام والصولة» (30)، وعبد المطلب له باع في قومه؛ فهو رئيسهم واحد حكام العرب في قريش(31)، الذي لايتقدم عليه احد برايته التي يحملها وهو يدافع عن الابطال، وهو القائم على اعمار بيت الله الحرام، فامتلأت الكعبة نورا، وانجلى الجدب عن الناس بفضله، ولعظم قدره وسيادته وشرفه وشجاعته وكرمه التي تعلو على سادات القوم، وجب على الابن أن يندب أباه مفتخراً على أهل الفخر بقوله:{من البسيط}
كانَ الشُجاعَ الجَوادَ الفَردَ سُؤدَدُهُ مَضى أَبو الحَارثِ المَأمولُ نائِلُهُ هُوَ الرَّئيسُ الَّذي لا خَلْقَ يَقدمُهُ العامِرُ البَيت بَيتَ اللَهِ يَملأهُ رَبُّ الفِراشِ بِصَحْنِ البَيتِ تَكرِمَةً |
|
لَهُ فَضائِلُ تَعلو سادَةَ الأُمَمِ وَالمُختَشى صَوْلُهُ في الناسِ وَالنِّقَمِ غَداةَ يَحْمي عَنِ الأَبطالِ بِالعَلَمِ نوراً فَيَجْلو كُسوفَ القَحْطِ وَالظُّلَمِ بِذاكَ فُضِّلَ أَهلُ الفَخرِ وَالقِدَمِ( 32) |
إنَّ تأبين أبي طالب والده عبد المطلب في هذا المقام يعد معنى جديدا، فهو يتجاوز التأثير
الاجتماعي ضمن اطار الاسرة إلى ما هو أعم وأشمل، وهو الجانب الديني، فعبدالمطلب رجل الدين المسؤول عن سدانة الكعبة؛ ولانه السيد الشريف والعالي المقام «فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان بنوه يجلسون حول فراشه حتى يخرج اليه، لايجلس عليه احد من بنيه إجلالاً له» (33) وإعظاماً لمكانته.ويبدو أنَّ أبا طالب في رثائه لأبيه يؤكد الجانب السياسي الذي يتمتع به في سيادته على قريش، وعلى المقام الديني، وفي هذا المقام وذاك يصوِّر فداحة فقدانه التي لحقت بالدين والدنيا.
وحينما أصابت بني قيس أيام من الجدب التجأوا إلى عبد المطلب لجاهه، ليشفع لهم بالسقيا من عند الله، ودعا الله بنزول الغيث، فما برحوا حتى انعم الله عليهم بالمطر فارتوت أرضهم.
وكأن أبا طالب أراد أن يبين جاه أبيه عند الله ومكانته الجليلة ومنزلته الرفيعة التي تفوق سائر الناس، وان وفاة والده عبد المطلب تمثل خسارة كبيرة لقومه وعشيرته، فقال مجيبا وفدا قد عزّوه بوفاة والده:
{من الطويل}
أبونا شفيعُ الناسِ حتّى سُقُوا بِهِ ونحنُ سنينُ المَحْلِ قامَ شَفيعُنا فلم يبرح الأقوامُ حتّى رَأَوْا بها وقيسٌ أتَتْنَا بَعْدَ أزْمٍ وشدَّةٍ فما بَرِحوا حتّى سقى اللهُ أرضَهم |
|
من الغيثِ رجّاسُ العَشِيِّ بَكُورُ بمكَّةَ يدَعو والمياهُ تَغُورُ سحاباتِ مَزنٍ صَوَُْبُهُنَّ دَرُوْرُ وَقد عَضَّها دَهرٌ أكبُّ عَثُورُ بِشَيْبَةَ غيثاً فالنبات نَضيرُ ( 34) |
ومن المعاني الجديدة التي زادها أبو طالب في هذا المقام الكرامة التي منحها الله والده عبد المطلب بالاستسقاء(
35) ببركة دعائه أيام الجدب والقحط في مكة، فقد «توالت على قريش سنون مجدبة حتى ذهب الزرع وقحل الضرع، ففزعوا وقالوا: قد سقانا الله بك مرة بعد اخرى فادعُ الله أن يسقينا ... فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها وكظَّ الوادي بثجّه» (36).
العزاء في الأصل الصبر، والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته، والعزاء الصبر على كل ما فُقِدَ(
37)، ثم حُدِّد استعمال اللفظ بمصيبة الموت، فالعرب كانوا في الجاهلية يتحاضون على الصبر ويعرفون فضله، ويعيرون بالجزع أهله ايثارا للحزم وتزينا بالحلم، وفرارا من الاستكانة إلى حسن العزاء(38)، ويحاول الشاعر في التعزية أن يتطرق إلى المعاني التي تخفف وقع اثر المصاب على أهل الراحل، ويتخذ العزاء أساليب وألوانا متعددة في التعبير تبعا لقدرة الشاعر الابداعية وتأثره بالمصاب، وعلاقته بصاحب المصيبة.ومن ألوان العزاء، تسلية النفس بالصبر، وهذا ما فعله أبو طالب في رثائه لصديقه مسافر، فهو لايعزي أهل الفقيد بمصاب صديقه ونديمه وخليله مسافر بن أبي عمرو(
39)، وانما يعزي نفسه بفقده، لأن المصاب ليس مصاب أهله فحسب، وانما مصابه هو أيضا، فقال في قصيدته النونية التي رثاه بها، وقد كان مسافر قد أصيب بداء في بطنه فخرج ليتداوى في الحيرة فمات بهبالة(40):{من الخفيف}
كَم خليلٍ وصاحبٍ وابنّ عمٍّ فتَعزَّيتُ بالجلاةٍ والصَّبْـ |
|
وحميمٍ قفَتْ عليهِ المَنونُ رٍ وإنّي بصاحبي لَضَنِينُ( 41) |
ويجد أبو طالب في العزاء سبيلا الى التأسي بمن فقد؛ لان الموت سيحل بفنائه في يوم من ايامه، وهذا يهون عليه المصاب؛ ولأن الانسان ضيف بين أهله وخلانه يقاسي المتاعب من غربة ومرض وهموم، ثم يرحل إلى العالم الآخر، لايذكر ما كان يعانيه، وكأن الشاعر بعد أنينه وبكائه(
42) على صاحبه رأى ان كل ما يفعله من أمر البكاء لا يغني عنه شيئا؛ لأن محنة الموت محنة الناس جميعا، فوجد في العزاء بالصبر خير سلوى لأحزانه.ونجد في شعر أبي طالب صورة أُخرى من صور العزاء، وهي ان يكون الشاعر المُعزَّى من قبل الناس والمُعَزِّي نفسه في آن معا، فعندما «سارت وجوه قيس وهذيل و
أسد ومن داناهم من مضر، حتى أتوا قبر عبد المطلب فأقاموا عليه أياما، ونحروا مطاياهم، وحلفوا ألا يدخلوا مكة إلا حفاة حُسرا وجاؤوا أبا طالب يعزونه» (43) بمصاب والده الجسيم، ويسألون ان يكون بخلافته جبر ما انكسر، وان يرتفع به ذكر العرب، فقد كان عبد المطلب شفيعا لمن شفع، لاتخمد ناره، ولايخاف جاره، الملك المتوج، الوارث الجود عن الجدود(44)، فأراد المعزون بتعزيتهم بيان منزلة عبد المطلب عند الله والناس فقد كانت قريش تستسقي بشفاعته عند الله ايام الجدب، لعظم قدره وجليل مكانته، فيعودون منه مستبشرين، وهم يتوسمون في أبي طالب الخير في خلافته إياه، فهو «وارث الجود، ومحل الوفود، وانما تلد الاسود الاسود» (45)، ففي عقب عبد المطلب الخير والصلاح والفلاح، فأجاب أبو طالب المعزين:{من الطويل}
أتَيْتُم فعزَّيْتُم على هُلْكِ سيدٍ فبُلِّغْتُم ما تأملونَ بِغبطَةٍ |
|
قضى نحبهُ والدائراتُ تدورُ وصرْتُم الى رب إليه نصيْرُ( 46) |
والحقيقة التي لا مناص منها في ظل الدين الحنيف تؤكد ان مرد الانسان إلى الله، ولا سبيل له في الفرار، فالموت تاج فوق رؤوس الناس، ولاينبغي للمرء ذي العقل الراجح والمتزن والمؤمن بقضاء الله أن يجزع، أو يفعل ما لا يليق بمعتقده ودينه وسلوكه القويم، وهذا ما كان واضحا في معتقد أبي طالب، لأنه من الموحدين، فقد وجد في الرثاء له طريقا اخر بصورة تباين مثيلتها في الجاهلية يظهر فيها الايمان بقضاء الله، فكان جواب أبي طالب «فإنَّ الى الله الرُّجعَى وهو الحيُّ الذي لا يموتُ وما سواهُ ميت طوبى من كان في الحياة حسن العمل، وفي دهره قصر الأمل، ويكون بدله خير بدل»
(47)، فأبو طالب يدرك ان الموت الذي أخذ أباه لابد من أن يأخذه يوما، وعليه أن يستجيب لامر الله؛ لأن الجميع مردهم اليه.ومن صور التأسي والعزاء تذكير أهل الفقيد بمنزلته ومكانته وفضائله، فعزى أبو طالب عمرو بن هشام ابن خاله هشام بن المغيرة، متوسما الخير فيه، في عظيم المحن والمصائب مثلما يفعل أبوه فقال:
{من الطويل}
فَقَدنا عَميدَ الحَيِّ فَالرُكنُ خاشِعٌ وَكانَ هِشامُ بنُ المُغيرَةِ عِصمَةً بِأَبياتِهِ كانَت أَرامِلُ قَومِهِ فَوَدَّت قُريشٌ لَو فَدَتهُ بِشَطرِها نَقولُ لِعَمرٍو: أَنتَ مِنهُ، وَإِنَّنا |
|
لِفَقدِ أَبي عُثمانَ وَالبَيتُ وَالحِجرُ ِإذا عَرَكَ الناسَ المَخاوِفُ وَالفقرُ تَلوذُ وَأَيتامُ العَشيرَةِ وَالسَّفرُ وَقَلَّ لَعَمري لَو فَدَوهُ بهِ الشَّطرُ لَنَرجوكَ في جلِّ المُهِمّاتِ يا عَمرُو( 48) |
إنَّ موت هشام مصاب جلل خشع له الحجر الأسود والكعبة والذي حولها استعظاما للحدث، وهذه من المعاني الجديدة التي زادها أبو طالب في العزاء، وهو يركز على الصفات التي يتحلى بها الفقيد، الذي كان حاميا ومانعا للناس، فهو ملاذ الفقراء والأرامل والأيتام والمسافرين، فموته ترك فراغا كبيرا لهؤلاء القوم، ولذلك فان قريشا تفديه بنصفها، وهذا قليل بحقه، ومن هنا تتضح مسوغات مبالغة الشاعر في رثائه.
والنعي له علاقة وثيقة بالرثاء فهو يعني اعلان موت الفقيد وإشهاره، «فيقال: نعي الميت ينعاه نعيا إذا اذاع موته وأُخبر به، وإذا ندبه»
(49) ومن هنا تبرز حقيقتان: الأولى: اشاعة خبر موت الفقيد بين الناس، والثانية ارتباط نعي الميت بندبه أي بذكر محاسنه وصفاته وشمائله وخلاله الحميدة، وبتأبينه بالبكاء عليه وذرف الدموع الغزار، وبتعزية أهله بمصابهم إلى آخره.ومما ورد في شعر أبي طالب في صدد النعي باعلان موت الفقيد، واشاعة خبره بين الناس، الصورة التي رسمها عندما فقد أخاه وسنده في النائ
بات، فتردت حاله ساعة ابلاغه خبر هلاكه حينما نادى الناعي بموت أخيه الزبير، تُبين حزنه العميق النافذ إلى اعماق شعوره، ففقده لأخيه اضناه وهزل جسده، ولوعته الصادقة اشابت رأسه، وكأن صحة الشاعر ذهبت بذهاب أخيه حسرة عليه، فليس بعده سند في المحن والشدائد فقال:{من البسيط}
يا زَبرُ أوحدتني للنائباتِ وقد من كانَ سرُّ بهلكٍ للزُبيرِ فقد |
|
خلَّلتَ لحمي وامسى الرأسُ مُشتَهِبا نادى المُنادى بِزُبرٍ إنهُ شَجَبا( 50) |
ومن سبل النعي ندب الشاعر الفقيد وتأبينه بالخصال والقيم الحميدة، فعندما نادى الناعي برحيل أبي امية بن المغيرة اصابت الحيين: كعب وعامر بموته فاجعة كبيرة بخلاف ما كان يتنادى الناس بالبشارة لوصوله سالما من رحلته في بلاد الشام فيصبح اهل مكة في غمرة من الفرح والحبور لمجيئه، فقال:
{من الطويل}
تَنادُوا بِأَنْ لا سيِّدَ الحَيِّ فيهِم وَكانَ إِذا يَأتي مِنَ الشامِ قافِلاً فَيُصبُحُ أَهلُ اللَّهِ بيضاً كَأَنَّما تَرى دارَةً لا يبرحُ الدَهر عِندَها إِذا أَكَلَتْ يَوماً أَتى الغَدَ مِثلها ضَروبٌ بِنَصلِ السَّيفِ سُوقَ سِمانِها ....فَيا لَكَ مِن ناعٍ حُبيتَ بِأَلَّةٍ |
|
وَقَد فُجِعَ الحَيّ انِ كَعبٌ وَعامِرُتَقَدَّمهُ تَسْعَى إِلَينا البَشائِرُ كَسَتهُم حَبيراً رَيْدَةٌ وَمَعافِرُ مُجَعجِعَةً كومٌ سِمانٌ وَباقِرُ زَواهِقُ زُهمٌ أَو مَخاضٌ بَهازِرُ
إِذا عَدِموا زاداً فَإِنَّكَ عاقِرُ |
وكأن الشاعر هنا ينعى الفقيد ويشيع خبر موته بين الناس في البيتين الاول والثاني في الوقت الذي كان هول إعلان موت أبي أمية له وقعٌ نفسيٌ كبيرٌ عليه جعله يطلق العنان للسانه بالدعاء على الناعي بان يوجه الله له حربة طاعنة تبلغ بها موته على خبره المشؤوم، وكأن الشاعر لايدرك ماوقع فعلا بعد ان ينعى اجلَّ الصفات التي يتحلى بها الفقيد، وهي فضيلة الكرم، والشاعر عندما ينعى كرم خاله، انما يظهر الدافع الروحي لأبي أمية في حبه لهذه القيمة، لأنَّه ينحر أفضل ما عنده من الإبل لاطعام الفقراء والضيوف، يريد أن يصور أن خاله كثير العطاء سخي جواد من سادات مكة، فبكرمه حاز المجد والعلى.
إن إيغال الشاعر بتفاصيل الحديث عن كرم الفقيد يجعل تبيين هول فقده واضحا يشترك فيه اغلب الناس الذين عرفوا هذه الصورة منه.
واذا كان للندب والتأبين نصيب وافر في قصيدة الرثاء، فانها لن تخلو من النعي فقد يشترك الندب والتأبين والنعي في آن معا، فنعى أبو طالب نديمه بمعاني الوفاء للصديق، وهو ينتحب بكاء وحزنا وألما عليه نادبا ومؤبنا فقال:
{من الخفيف}
لَيتَ شِعري مُسافِرَ بنَ أَبي عَمـْ أَيُّ شَيءٍ دَهاكَ أَوغالَ مَرْآ أَنا حاميكَ مِثلَ آبائِيَ الزُهـ مَيتُ صِدقٍ عَلى تَبَالَةَ أَمسَيـ بُوْرِكَ المَيِّتُ الغَريبُ كَما بو كُنتَ بي مرَّةً وَفَوقَكَ لا فَو كانَ مِنكَ اليَقينُ لَيسَ بِشافٍ كُنتَ مَولىً وَصاحباً صادِقَ الخِبـ فَعَلَيكَ السَّلامُ مِنّي كَثيراً |
|
رٍو وَلَيتٌ يَقولُها المَحزونُ كَ؟! وَهَل أَقدَمَتْ عَلَيهِ المَنونُ؟ رِ لآبائِكَ الَّتي لا تَهونُ تَ وَمِن دونِ مُلْتَقاكَ الحُجُوْنُ رِكَ نَضحُ الرُّمانِ وَالزَّيتُونُ قَ فَقد صِرْتَ لَيسَ دونَكَ دُوْنُ كَيفَ إِذ رَجَّمَتكَ عِندي الظُّنونُ رَةِ حَقّاً وَخُلَّةً لا تَخُوْنُ أَنفَدَتْ ماءَها عَلَيكَ الشُّؤونُ( 52) |
يريد الشاعر أن يداوي جراحه وهو يبكي الفقيد؛ ليسكن غليان جوفه، وفوران دموعه، وصوت أنينه، وفي هذا كله تتدفق عواطفه ويشتد الغلو في ذكر محاسن الفقيد فتتفاعل لدى الشاعر مشاعر مختلفة من بكاء ومديح، ليبين مقدار الحزن الذي يكتنفه عند سماع خبر موت الفقيد، فنبأ وفاة مسافر كان خطبا جليلا، وفاجعة مؤلمة، وخسارة عظيمة للشاعر
ـ الذي كان نديما له ـ فلم يصدق موت صاحبه لمفاجأته بوفاته، ولكنه سرعان ما ادرك بيقين ان سلامة صديقه امر محال بعدما سمع خبر نعي وفاته، فقد كان مسافر نعم ابن العم والصديق والخليل الذي لايخون صاحبه، فعليه السلام مودعا ما دامت العين تذرف الدموع.ومما تقدم يتبين: أنَّ رثاء أبي طالب جاء على ثلاث صور: الندب والتأبين والعزاء، فورد الرثاء مادياً
ـ في أكثر الاحايين ـ بالبكاء، وذرف الدموع على الفقيد الراحل، والتركيز على الفضائل الخُلُقية من شرف السيادة، وعراقة الأصل، وعلو النسب، وشعيرة الكرم وغير ذلك من الصفات، وغياب الصفات الخَلقِية مثلما كان معهودا في الشعر الجاهلي، وفي العزاء شاعت روح ايمانية في التسليم بقضاء الله وقدره في المصاب، اما ارتباط النعي بصور الرثاء، فقد كان النعي يهدف إلى إشاعة خبر الموت أو مواساة أهل الفقيد، وقد ركز الشاعر على ما يمكن أن يميز رثاءه من غيره من الشعراء فخشوع الحجر والبيت معنى لانجده عند غيره من الشعراء.الفخر :
مزج بعض الباحثين بين الحماسة والفخر(
53)، وجعلهما في باب واحد للروابط الوثيقة بينهما، فالحماسة تعني الفخر بالنفس والإباء، وذكر البطولات والوقائع، ووصف الحرب وأدواتها من سلاح وخيل وعدة، ومن مظاهر قيم البطولة: الشجاعة والإقدام والجرأة والمنعة والمحاربة والشدة والصبر إلى آخره.وباب الفخر يعني المباهات بالنسب والسيادة والمجد والكرم والاخلاق الكريمة فضلا عن الاشادة بالأعمال الحربية، وقيم البطولة من شهامة، ومروءة، وقوة، وشجاعة، وإقدام، وخبرة حربية، وتضحية، وصبر، ورئاسة، وكثرة عددية، ومجد حربي، فالحماسة وردت ضمن معاني الفخر، فهما صنوان متلازمان يسيران في خط واحد لايمكن الفصل بينهما، فهي الفخر بعينه الذي يرتفع فيه صوت الذات أو الجماعة أو كلاهما في آن معا، فالحماسة والفخر يصدران من صفات جليلة وفضائل حميدة تمثلتها النفس العربية قبل الإسلام، اما في عهد الرسالة فكانت تسبغ عليها روح الايمان، وتأييد رسالة السماء، والوقوف بجانب صاحب الرسالة، والدفاع عنه وحمايته ومناصرته وشد أزره، وهي من الموضوعات المهمة في شعر أبي طالب(
54)، يجد الشاعر فيها منفذا ليتغنى من خلالها بالمثل العليا، والسجايا المعنوية، والفضائل المادية التي تتناسب وطبيعة شخصيته المعتدة بنفسها، وروحه المتوهجة بالانفة والشموخ، ومجده الكريم، فيشيد بفخره الديني الذي يرتبط بقيم السماء، والدين الجديد والايمان بالله، ومؤازرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونصرته، وهو في ذلك كله مدفوعا بحماسته الدينية إلى الفخر بالقيم الاجتماعية التي باركها الإسلام وحث عليها على مستويين: الفخر الذاتي الذي يتغنى فيه الشاعر بمناقبه ومحاسنه وفضائله، والفخر الجماعي الذي يتباهى فيه بنسب قومه الهاشمي ودفاعهم عن نبي الله والذود عنه، وحمايتهم له، وبجليل اعمالهم قبل عهد الرسالة وبعدها.ومن سمات الفخر الديني التي تتجلى في أبهى صورها في شعر أبي طالب فخره بحماية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقانون الحماية في المجتمع العربي قانون اجتماعي فرضته طبيعة حياة العرب الذي يفسر قوة روح الأواصر والتماسك في المجتمع الواحد كما ذكرنا آنفا، وقد اكتسب هذا القانون في عهد الرسالة معنى جديدا لايتمثل بحماية الفرد فحسب، وانما يتمثل بحماية الدين الجديد، وصاحبه، وتأييده، ومناصرته، ومؤازرته،والحفاظ عليه، وحماية اصحابه حتى يشتد ساعده، ويظهر دينه إلى النور، ووجد صاحب الرسالة في عمه خير حامٍ وناصر ومؤازر ومدافع، والى هذا المعنى يتباهى أبو طالب بعدم خذلان النبي متوعدا اعداءه بقطف الرؤوس، والهزيمة عند المواجهة، فقال:
{من المنسرح}
وَاللَّهِ لا أَخذُلُ النَبِيَّ وَلا حتّى تَرَوْنَ الرؤوسَ طائحةً وترجعُ الخيلُ بعدَ شدَّتِها حتّى تَرى الجِدِّ حينَ يُقْضَبُ بالسْـ نحنُ وهذا النبيُّ أُسرتُهُ إنْ نِلْتُموهُ بكُلِّ جَمْعِكم |
|
يَخذُلُهُ مِن بَنِيَّ ذو حَسَبِ منّا ومنكم هناكَ بالقُضُبِ مَرْدودُها نحو وِجْهَةِ الهَرَبِ مرِ وبالمُرهفاتِ كاللَّعبِ نضربُ عنهُ الأعداءَ كالشُّهُبِ فنحنُ في الناسِ ألأمُ والعَرَبِ( 55) |
ويعاضد أبو طالب نبي الله على اعدائه ويطلب منه اظهار دعوته، ويقدم نفسه قبل نفس النبي دفاعا عنه مفتخرا:
{من البسيط}
لا يَمنَعَنَّكَ مِن حَقٍّ تَقومُ بِهِ فدونَ نَفْسِكَ نفسي غيرَ مَتَّئبٍ |
|
إبراقُ أيدٍ ولا إرعادُ أَصواتِ وَدونَ كفِّكَ كفّي في المُلِمّاتِ( 56) |
إن كف أبي طالب هنا ليست كفا كغيرها من الاكف، فهي كف الثقل الاجتماعي والديني والاخلاقي الذي يجسده بيت عبد المطلب، ولذلك اشار إلى كفه لا من قلة وانما من قوة وكثرة .
وإيمان أبي طالب بالدين الجديد جعله يفتخر بحماية رسول الله والذود عنه ضد معارضيه، فهو سخي النفس في فداء نبي الله؛ لان الله
ـ بلا ريب ـ مظهر دينه ورافع شأنه في الدنيا والآخرة، فقال:{من الطويل}
وَجُدتُ بِنَفسي دُونَهُ وَحَميتُهُ وَلا شَكَّ أَنَّ اللَهَ رافِعُ أَمرِهِ |
|
وَدافَعتُ عَنهُ بِالطُّلى وَالكَلاكِلِ وَمُعل ِيهِ في الدُنيا وَيَومَ التَّجادلِ(57) |
ومن أوضح ملامح الفخر العقائدي في شعر أبي طالب في دفاعه عن الدين الجديد، ونصرة الإسلام المتمثلة بحامل لواء الإسلام بوصفه النبي محمداً قوله:
{من الطويل}
أُقيمُ على نَصْرِ النبيٍّ محمّدٍ |
|
أقاتلُ عنهُ بالقنا والقَنابلِ( 58) |
ومن مظاهر المعاني الاجتماعي
ة المنبثقة من القيم الدينية صلة الرحم، وهي احدى دعائم البناء السليم للمجتمع الذي نقّاها الإسلام من براثن الجاهلية من ظلم واسراف(59)، فلم تعد صلة أسرية فحسب، وانما صلة واجبة اوجبها الإسلام، وصلة الرحم في شعر أبي طالب نابعة من قداسة قرابته لنبي الله (صلى الله عليه وآله) التي فرضت عليه حمايته، فضلا عن ايمانه بما جاء به ابن أخيه، فعمل جاهدا على ديمومتها عندما افتقده وظن أن قريشا اغتالته، فهب مخاطبا قريشا، ومفتخرا باخلاصه في رعايته لآل محمد، غير قاطع رحمه مهما نجم عن ذلك من حروب متوعدا الفهريين الذين عزموا على قتل محمد زورا وظلما بحرب لاهواد لها ان نفذوا ما عزموا عليه فقال:{من الوافر}
أَلا أَبلِغ قُرَيشاً حَيثُ حَلَّت فَإِنّي ـ وَالضَوابِحُ عادِياتٍ لآلِّ مُحَمّدٍ راعٍ حَفيظٌ ولَستُ بِقاطِعٍ رَحمي وَوُلدي فيا للهِ درُّ بني قُصَي عشيةَ ينتحُونُ بأمرِ إفكٍ فلا وأبيكَ ما صَدَقَتْ قريشٌ أيأمرُ جمعُهم أفناءَ فهرٍ ألا ظلَّتْ حُلومُهُم جميعاً أترضى منكم الحُلماءُ هذا بُنَيَّ أخي ونوطُ القلب منّي وتشربُ بعدهُ الشبَّانُ ريّاً وكيف يكونُ ذاكُم من قريشٍ |
|
وَكُلُّ سَرائِرٍ مِنها غُدُوْرُ وَما تَتلو السَفاسِرَةُ الشُّهُوْرُ وَوَدُّ الصَدرِ مِنّي وَالضَميرُ وَلَو جَرَّت مَظالِمَها الجَرورُ لَقِدْماً حلَّ عرصتَهم ثُبُورُ ويستهوي حلُومُهم الغُرورُ ولا أمَّت رشاداً إذ تُشِيْرُ بقتلِ محمدٍ والأمرُ زُوْرُ واطلقُ عَقْلُ حَربٍ لا تَبورُ وما ذاكُم رضىً لي أنْ تَبُورُوا وأبيضَ ماؤه غَدَقٌ كثيرُ وأحمدُ قد تضُمَّنَهُ القُبورُ وما منّا الضّراعًةُ والفُتُورُ(60 ) |
من الملاحظ أن فخر أبي طالب هنا قد تخلص من الرداء القبلي، فهو يخاطب قومه مهددا ومؤنبا، ويفخر بنفسه، وهذا ما لم نعهده عند غيره من الشعراء(
61)، فلم يعد فخر الشاعر فخرا بالقبيلة وانما هو فخر بالنفس او بالرهط الادنى من قومه، وهذا جاء بفعل العقيدة، ومن هنا لم يقسُ الشاعر على قومه وهو يؤنبهم على فعلهم، وانما حاول ان يستثير الحكماء منهم بان لايقبلوا هذا الامر، ولاسيما أنه يشعر أن قريشا تحفظ له مكانته فيها من حيث علو المقام فلا بأس من تأنيبهم من هذا الطرف أو ذاك.ومن مستلزمات قانون الحماية الشجاعة التي كانت قبل الإسلام لها غايتها في الدفاع عن النفس ضمن إطار القبيلة، فاضحت في الإسلام لها غايات سامية وهي نشر الدعوة الإسلامية، وحماية رسول الله، واعلاء كلمة الحق.
ويسمعنا أبو طالب صوته في فخره بفروسيته التي هي أظهر مجالات الشجاعة وهو يذود من دون رسول الله محذرا الفهريين(
62) الذين إئتمروا على قتل رسول الله بحرب تفور منها الدماء، مانحا النبي محمدا عهدا بالحفاظ عليه ونصرته من شيخ هجر المعايب والفواحش، وعندما يفتخر بمجانبة الاثام والابتعاد عنها؛ فهذا يدل على أنه شخصية قويمة على هدي التوحيد، فقال:{من الوافر}
عليَّ دماءُ بُدنٍ عاطِلاتٍ وقامَ الضّاربونَ بكُلِّ ثَغْرٍ لتَعترفُنَّني في الصَّف قُدْماً أرادي مرَّة وأكرُّ أُخرى أذودَهُم بأبيضَ مشرفيٍّ اذا سألَتْ مُجَلِّحَةٌ صدوقٌ مجمّعة الصفوفِ أُسودُ فهرٍ كأنَّ الأفقَ محفوفٌ بنارٍ بمعتركِ المنايا في مكرٍّ هنالكَ يا بُنَيَّ تكونُ منّي كدَهدَهَةِ الصُّخورِ من الروابي وقيٌّ دونَ نفسكَ إنْ أرادُوا .... لكَ اللهُ الغداةَ وعَهْدُ شيخٍ بتَحفاظٍٍ ونُصرةُ اريحيٍّ |
|
لئن هَدَرَتْ لذلكم الهدورُ بأيديهم مُهَنَّدَةٌ ذُكُورُ أضاربُ حينَ تحزبُهُ الأمورُ حذاراً أن تَغُورَ به الغُؤورُإذا ما نابَنا أمرٌ كسيرٌ كأنَّ زهاءَها رأسٌ كبيرُ وكانَ النَّقعَ فوقهم يثورُ وحولُ النّارِ آسادٌ تزيرُ تخالُ دماءها قدراً تفورُ بوادرُ لا يقومُ لها ثَبيرُ إذا ما الأرضُ زَلْزَلَها النذيرُ بك الدَّهياءَ أو سالَتْ بحورُ .... تجنَّبهُ الفواحشُ والفجورُ من الأعمامِ اعضادٌ نصورُ(63 ) |
وجد الشاعر في تصوير المعركة سبيلا لتصوير بلائه والاشادة بنفسه وهو يمزج بين الفخر والوعيد.
ويأبى أبو طالب الضيم، فيدافع عن الحق الذي انزله وحي السماء مستنكرا ان يضام «النبي محمد»
(64) وهو على قيد الحياة، فقال مفتخرا بشجاعته:{من مجزوء الكامل}
أَنّى تُضامُ وَلَم أَمُت وَبِطاحُ مَكَّةَ لا يُرى وَبَنو أَبيكَ كَأَنَّهُم |
|
وَأَنا الشُّجاعُ العربِدُ فيها نَجيعٌ أَسوَدُ أُسدُ العَرينِ تَوَقَّدُ( 65) |
وهذه من المعاني التي ارتدت حُلَّة إسلامية تتجلى بها بروز فكرة الفداء للنبي
(صلى الله عليه وآله).ومن أظهر ملامح الشجاعة الصبر، والفخر بقيم الصبر من المعاني القديمة التي تمثلها العربي في مواجهة معترك الحياة، ومداليلها تتسع لتشمل مختلف اسبابها، وقد اكتسى هذا المعنى حُلَّة جديدة في عهد الإسلام تزين صاحبه بالإيمان الذي عدَّ من سجايا القلوب المؤمنة، فمن المفاخر الذي يعتز بها أبو طالب الصبر والثبات في المواقف الصعبة، واوقات المحن، وهو يذود عن رسول الله، ويُصبِّر نفسه على من خذله من بني عبد مناف، ولاسيما بني عبد شمس ونوفل في تخلفهم عن نصر
ه ونصرة رسول الله(66)، تاركهم للزمن لعله يجد سبيلا لاصلاحهم فقال:{من الطويل}
ألَمْ تعلموا أنّا بدارِ مَضيْعَةٍ فلا تَعْجَبوا أنِّي صبرتُ عليهم |
|
ولا لكم فينا قِصَاصٌ ولا وتْرُ فصّبْري وإبقائي لكي يُقْبَلَ الدَّهْرُ( 67) |
ولما آوى بنو هاشم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الشِّعب، وقد تحالفت عليهم قريش وكتبوا الصحيفة، كان مدلول الصبر سبيل أبي طالب الى النصر متدرِّعا نفسه به عن مقاتلتهم، فحبس نفسه منهم بقناته وسيفه البتّار الذي هو من تراث حِمْيَر، يريد أنَّه لامثيل له فأنشد:
{من الطويل}
وَ لَـمّا رَأَيتُ القَومَ لا وُدَّ فيهموَقَد صارَحونا بِالعَداوَةِ وَالأَذى وَقَد حالَفوا قَوماً عَلَينا أَظِنَّةً صَبَرتُ لَهُم نَفسي بِصَفْراءَ سَمحَةٍ |
|
وَقَد قَطَعوا كُلَّ العُرى وَالوَسائِلِ وَقَد طاوَعُوا أَمْرَ العَدوِّ المُزايِلِ يَعضّونَ غَيظاً خَلفَنا بِالأَنامِلِ وَأَبيَضَ عَضبٍ مِن سيوفِ المقاوِلِ( 68) |
لم يحدثنا التاريخ عن معارك بين المسلمين والمشركين في مكة استعملت فيها السيوف، بيد أنَّ الشاعر سلك هذا السبيل ليبعد أذى المشركين عن النبي (صلى الله عليه وآله) من دون ان يقع قتال فعلي، وهذا الشعر أقرب إلى الفخر الممزوج بالتهديد الذي سنتحدث عنه لاحقا(
69).ومن أوضح معالم الصبر الحلم والعفو، وهما من القيم العربية التي لها علاقة وثيقة بالكرم، وهما دليلان على صفاء القلب، وسعة الصدر، وطيب النية، فتغنى أبو طالب بحلمه وعفوه في الوقت الذي له القدرة على انصاف نفسه من خصمه، فأعدَّ عفوه ضربا من فضيلة الكرم:
{من البسيط}
قابلتُ جهلَهُمُ حلماً ومغفرةً |
والعفوُ عن قُدرةٍ ضربٌ من الكَرَمِ( 70) |
ويمتزج الفخر الفردي بالفخر الجماعي؛ لذوبان شخصية الفرد بالجماعة للاواصر الوثيقة التي تربط الشاعر بقومه ومجتمعه، فهو يتكلم بلسان حال قومه في المهمات فيظهر صوت الشاعر الذاتي مرة، وصوت الجماعة بلسانه مرة أُخرى، أو كليهما في آن معاً، ومعاني الفخر الجماعي في شعر أبي طالب تمثلت بالافتخار بشرف قومه الهاشمي الطيب، ومجدهم الباسق، ومآثرهم الجليلة في رعايتهم للبيت الحرام، وسقاية الحجيج، وحمايتهم لنبي الهدى ومساندتهم له في دعوته إلى آخره.
ومن مظاهر الفخر الجماعي الاجتماعي الفخر بالنسب الذي يفسر حرص العربي على تعليقه بأرومته، ومباهاته بالانتماء إليها، وفي شعر أبي طالب تبرز سمات الاعتزاز بنسبه متعددة الجوانب بين شرفه، وعلوه، ونقائه، وطيبه، الذي جمع فيه طابع الفخر قبل الإسلام وروح الإسلام(
71)، وقد يكون الفخر من نتاج التعريض، فيقود الشاعر إلى تسجيل مآثر قومه ومناقبهم مقابل تجريد الخصم منها في المنازعات والخصومات(72)، فعندما ناصب أبو لهب العداوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع من ناصبه، وكان أبو لهب لأم خزاعية وأبو طالب وعبدالله والد النبي والزبير لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فأغلظ أبو طالب القول لأبي لهب(73)، وهو يفاخر بأمه التي حملت بأولادها للطيب والطهر وبفحلها عبدالمطلب، فحَرَم أبو طالب أبا لهب من فضيلتين: فضيلة مصاحبة اخوته ومؤازرتهم، وفضيلة مشاركة أخويه في الأفراح والأتراح فقال:{من السريع}
إنّا بنو أُمّ الزُّبيرِ وفحلِها .... فحُرِمتَ منّا صاحباً ومؤازراً |
|
حملتْ بنا للطِّيْبِ والطُّهْرِ .... وأخاً على السَّرَّاءِ والضُّرِّ(74) |
وتفاخر أبناء أم الزبير دليل على عراقة اصلها، وحسن تربيتها لاولادها.
وسجل أبو طالب فخره باسم بني هاشم فافتخر على قريش بفضيلة عبد مناف بسرها وخالصها وبنو هاشم اشرف من بني عبد مناف والمصطفى محمد من بني هاشم، فهو اكرمهم فقال:
{من الطويل}
إِذا اِجتَمَعَت يَوماً قُرَيشٌ لِمَفخَرٍ وإِن حُصِّلَتْ أَشرافُ عَبدِ مَنافِها وَإِنْ فَخرت يَوماً فَإِنَّ مُحَمَّداً |
|
فَعَبدُ مَنافٍ سِرُّها وَصَميمُها فَفي هاشِمٍ أَشرافُها وَقَديمُها هُوَ المُصطَفى من سِرّها وَكَريمُها( 75) |
إن افتخار الشاعر على قريش بعبد مناف، وافتخاره على عبد مناف ببني هاشم، وافتخاره على الجميع بالنبي محمد(صلى الله عليه وآله)، فهو لايقلل من شأن قريش، وانما علا شرفهم؛ لأن النبي اشرفهم.
ويتباهى أبو طالب بفضيلة أُخرى انماز بها قومه فضلا عن نسبهم، وهي فضيلة سيادتهم في قريش بمكة، فقال:
{من الطويل}
وَنَحنُ الصَّميمُ مِن ذؤابَةِ هاشِمٍ وَإنَّ لَنا حَوضُ السِّقايَةِ دونهم فَما أَدركوا ذَحلاً وَلا سَفَكوا دَماً |
|
وَآل قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأَوائِلِ وَنَحنُ الذّرى مِن غالبٍ في الكَواهِلِ وَلا حالَفوا إلا شِرارَ القَبائِلِ( 76) |
لقد تولى أمر سيادة مكة قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب جدهم الذي جمع امر قريش في بداية عهده «فكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء، فحاز شرف مكة كله ... فكان امره في قومه من قريش في حياته، ومن بعد موته، كالدِّين المُتَّبع لايعمل بغيره»
(77)، وكان رئيسا مطاعا معظما، ثم تولى الرفادة وسقاية الحجيج هاشم بن عبد مناف(78)، ومن هذه المأثرة ارتفع صوت أبي طالب بوجه مشركي قريش في المفاضلة بالاشادة بعراقة أرومتهم من بني هاشم وآل قصي، وان لهم شرف سقاية حجاج بيت الله، وانهم ارفع نسبا في قريش فضلا عن أنهم انمازوا بمكارم الاخلاق.ومجد أبي طالب عريق يرجع إلى أفضل أبناء بني هاشم وبهذا كله ارتبط فخره الجماعي
ـ في بعض الأحايين ـ بمجد آبائه وسيادتهم وعلوهم ورفعتهم بين العرب، فعزهم قديم، ومقامهم عظيم، ونسبهم عريق، فهم اصحاب السيادة والقيادة والحكم في قريش توارثوها عبر الاجيال من قصي بن كلاب إلى أن انتقلت بيد أبيه عبد المطلب الذي كان أحد حكماء العرب(79)، فكانت بيده أمر السقاية والرفادة وإلى هذه المأثرة والمجد المنيف الواضح أشاد أبو طالب بفخره، وهو يتباهى بانهم يجيرون الفقراء ويكرمونهم فقال:{من المتقارب}
فَإِنّا بِمَكَّةَ قِدْماً لَنا وَمَن يَكُ فيها لَهُ عِزَّةٌ وَنَحنُ بِبَطحائِها الرائسِو نَشأنا فكُنّا قَليلاً بِها إِذا عَضَّ أَزمُ السنين الأَنامَ نَماني شَيْبَةُ ساقي الحَجيجِ |
|
بِها العِزُّ وَالخَطَرُ الأَعظَمُ حَديثاً فَعِزَّتُنا الأَقدَمُ نَ وَالقائِدونَ وَمَن يَحكُمُ نُجيرُ وَكُنّا بِها نُطْعِمُ وَحبَّ القُتَار بِها المُعدِمُ وَمَجدٌ مُنيفُ الذُّرى مُعْلَمُ( 80) |
ويفخر أبو طالب بعزة قومه ومجدهم وكرمهم الذي كان له وشيجة بالسيادة في فخره الجماعي، فلا يوجد حضري في مكة امثالهم في العزة والمجد والرفعة، فمجدهم في بطن مكة عميق، نشأوا حين كان الناس قلة، وهم كرماء يطعمون حين يبخل الناس، ولهذا كله فان حمدهم يزداد على مر الأيام، فقال:
{من الطويل}
فمَنْ يَكُ ذا عزٍّ بمكةَ تالدٍ عَلَوْنا بها والناسُ فيها أذلَّةٌ ونُطعِمُ حتّى يتركَ الناسُ فضلَهُ |
|
فعزَّتُنا في بطنِ مكةَ أتْلَدُ فلم ننفك نزدادُ عزاً ونـُحمَدُ إذا جُعلت أيدي المُقصِّرِ تُجمَدُ( 81) |
ويومىء الشاعر من طرف خفي إلى فضل جده هاشم على قومه، «وهو أول من اطعم الثريد بمكة»
(82).ويرتفع صوت أبي طالب بفخره الجماعي بذكر خصال بني هاشم الذين انمازوا
عن غيرهم من قريش التي تنادت على أذيتهم، بالاشادة بجميل صنيعهم، وتمجيد افعالهم، والتغني بمآثرهم المجيدة قبل الإسلام، فكانوا لايوافقون على ظلم الناس ويردّون المتكبرين إلى الضعة والذل، وكانوا حماة قريش يدافعون عن حصونهم وبيوتهم، وهم السادة الأعلون، والبرية كلها تدين لهم بالخضوع والانصياع.فتباهى أبو طالب في الإسلام لما رأى من قومه ما يسره من جدهم معه وحدبهم عليه، فمدحهم وذكر قدمهم، وذكر فضل النبي
(صلى الله عليه وآله) فيهم(83) فقال:{من الطويل}
وَكُنّا قَديماً لا نُقِرُّ ظُلامَةً وَنَحمي حِماها كُلَّ يَومِ كَريهَةٍ بِنا اِنتَعَشَ العودُ الذَّويُّ وَإِنَّما هُمُ السادَةُ الأَعْلَونَ في كُلِّ حالَةٍ يَدينُ لَهُم كُلُّ البَرِيَّةِ طاعَةً |
|
إِذا ما ثَنوا صُعرَ الخُدودِ نُقيمُها وَنَضرِبُ عَن أَحجارِها مَن يَرومُها بِأَكنافِنا تَنْدى وَتَنْمى أُرومُها لَهُم صِرمَةٌ لا يُستطاعُ قُرومُها وَيُكرِمُهُم مِلأَرضِ عِندي أَديمُها( 84) |
وفاخر أبو طالب بالمعاني الانسانية وهو يومىء الى حلف الفضول الذي شارك فيه بني هاشم في دفع الظلم عن الناس، وحماية الجار وغير ذلك(
85)، فتباهى بقدم مجد قومه، وحمدهم في تولي امور الناس في الحل والربط، ودفع الظلم، فهم يبلغون ما يريدونه من غير شدة وعنف، ويعملون لصالح عشيرتهم، ولذلك كله نالوا من أعدائهم الطلاقة والعفو الذين يحمدان عليهما وود الناس لهم، فقال في قصيدته التي مدح فيها النفر الذي سعوا في نقض الصحيفة مفتخرا بقومه:{من الطويل}
وكانَ على النَّعتِ الذي قالَ عالِمٌ :متى شاركَ الأقوامُ من جلِّ أمرِنا وكُنَّا قديماً لا نقرُّ ظُلامةً وظل لافناءِ العشيرة صالحٌ ونلنا كثيراً حيث نلنا من العِدا |
|
لديكَ البيانُ لو تكلَّم أسوَدُ وكُنَّا قديماً قبلها نتودَّدُ ونُدركُ ما شِئْنا ولا نتبدَّدُ نحِلُّ إذا شئنا بغور وننجدُ طلاقةَ عفو والطلاقةَ تحمَدُ( 86) |
وسعى رسول الله(صلى الله عليه وآله) لتوظيف عوامل الحماية المتاحة له كالاحتماء بعمه وعشيرته التي انمازت بالوجاهة والمنعة والبطولة، فعشيرته مثل بقية القبائل العربية ذات الحمية على افرادها، فقد «منع الله {مشركي قريش} رسوله بعمه أبي طالب، وقد قال أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم وبني عبد المطلب، دعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه واجابوا إلى ما دعاهم إليه من دفع عن رسول الله ... فلما اجتمعت بنو هاشم وبنو عبد المطلب معهم ورأى أن قد امتنع بهم وان قريشا لن يعادوه معهم قال أبو
طالب، وبادى قومه بالعداوة، ونصب لهم الحرب» (87) فجهر بصوته مفاخرا بعشيرته تارة، وبنفسه تارة أُخرى في آن معا، لنصرة رسول الله وحمايته من اعدائه فقال:{من المتقارب}
نَصَرْنا الرَّسولَ رَسولَ المَليكِ بِضَرْبٍ يُذيبُ بدونَ التهابِ أَذُبُّ وَأَحمي رَسولَ المَليكِ وَما إِن أَدُبُّ لأعدائِهِ وَلَكِن أَسيرُ لَهُم سامِتاً |
|
بِبيضٍ تَلألأُ كلمع البُروقِ حذارَ البوادرِ وَالخَنفَقيقِ حِمايَةَ حامٍ عَلَيهِ شَفيقِ دَبيبَ البِكارِ حذارَ الفَنيقِ كَما زارَ لَيثٌ بِغيلٍ مَضِيقِ( 88) |
ولم يفخر أبو طالب بمآثر قومه من بني هاشم على اساس الروح القبلية، وانما فخر بمآثرهم على اساس انهم حماة صاحب الدعوة الإسلامية، فعندما خرج قومه من الشِّعب ومزقت الصحيفة، شكا أبو طالب ظلم قريش(
89)، وافتخر بفتيان قومه الكرماء في دفاعهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:{من الطويل}
أترجُون أنَّا مُسْلِمونَ محمداً بكلِّ فتىً ضخمِ الدَّسيعةِ ماجدٍ نَبِيٌّ أَتى بالوَحيُ مِن عِندِ رَبِّهِ |
ولـمّا نُقاذِف دونَه بالمراجمِ تمَكَّن من العلياءِ من نسلِ هاشمِ فمَنْ قالَ: لا، يَقرَع بِها سِنَّ نادِمِ( 90) |
ويتباهى أبو طالب بحماية بني هاشم لرسول الله(صلى الله عليه وآله) بوجه نفر من قومه الذين ناهضوه وأرادوا قتله، فهم يذودون عنه بأيديهم الهاشمية القوية، وفعلهم هذا مدعاة للفخر والشرف فقال:
{من الطويل}
فَلا تَحسبونا مُسْلِمينَ مُحَمَّداً سَتَمنَعُهُ مِنّا يَدٌ هاشِمِيَّةٌ وَلا وَالَّذي تَخْذي لَهُ كُلُّ نضوةٍ يَميناً صَدَقنا اللَّهَ فيها وَلَم نَكُن نُفارِقُهُ حَتّى نُقَتَّلُ حَولَهُ |
لِدى غُرْبَةٍ مِنّا وَلا مُتَقَرِّبِ مُرَكَّبُها في الناسِ خَيرُ مُرَكَّبِ طَلائحٍ جنبي نَخلَةٍ فَالمُحَصَّبِ لِنَحلِفَ بُطلاً بِالعَتيقِ المُحَجَّبِ وَما نالَ إسلام النَبِيِّ المُقَرَّبِ( 91) |
مما تقدم يتبين: أن فخر أبي طالب لم يكن من قبيل التبجح والادعاء على غرار العرف السائد في المجتمع العربي قبل الإسلام، وانما كان فخره بمحامد قومه والتغني بفضائلهم يوفر له الرفعة والجاه والقوة والمنعة وهو يتصدى لاعداء الرسالة ليحميها، ويحمي صاحبها في المرحلة التمهيدية للدعوة الإسلامية التي واجهت معارضة من رجال مشركي قريش خشية ان تؤدي الى وأدها.
وركز أبو طالب في فخره على معاني الفخر بالصبر والكرم والنسب والدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله) ومزج ذلك كله بما لايقطع الصلة بينه وبين قومه الأدنين من بني هاشم وعبد المطلب، فقد استطاع ان ينحو بالفخر منحى اخر اذ كان يفخر برهطه الادنين من دون قومه من قريش، وكانت السمة البارزة في فخره هي مزجه بالتهديد والوعيد.
المديح :
من أبرز فنون الشعر العربي فن المديح، يثني به الشاعر على الممدوح، فيتغنى بفضائله الجليلة، ويشيد بخلاله العظيمة، ويعدد شمائله الحميدة، وغاية الشاعر من المديح تخليد قيم المديح التي يترسم فيها صورة الاعجاب والثناء والتقدير للمدوح، فاعجاب الشاعر بالفضائل الانسانية وتأكيدها هي دعوة إلى الاهتداء إليها، والاقتداء بها
، وتمثلها ـ اذا كانت غائبة عن الممدوح ـ والشاعــر يدفع الممدوح للتوجه إليها والإلتزام بها ؛ لأنها الصورة المثلى التي يتمناها عليه ، ويتمناها المجتمع العربي.وهو في الوقت نفسه عندما يمدح القيم والمعاني والسجايا والمناقب، فانه يمدح نفسه ويخلدها بذكرها؛ لأنه يؤمن بها ايمانا عميقا، وإذا تحقق الدافع النفسي والدافع الفني مع ايمانه بالقيم التي يعتقدها، وتمتعه بالخيال الخلاق، وبراعة الاداء، استطاع ان يرفع الممدوح بتمجيده إياه؛ لامتلاكه الصدق الفني في التعبير.
وقد أبقى الإسلام على كثير من القيم الجاهلية التي تتناسب والحياة الجديدة في ظله، فاعتز بالقيم العربية الاصيلة، واكبر عليها، وحث على التمسك بها، بيد أنَّها اكتسبت معاني جديدة تبعا لغاياتها التي تمثلت بارضاء الله ونيل ثوابه.
والتغيير الذي طرأ على هذا الفن متمثلا بالتوجه العام الذي توجه به الشعراء في اشعارهم نحو الالتزام بالقيم والمباديء التي ارتضاها العربي قبيل البعثة، والقيم الجديدة التي جاء بها الإسلام مثل الايمان الصادق، وتقوى الله، والعدل وغيرها(
92)، فضلا عن القيم الموروثة مثل: الكرم، والشجاعة، وعراقة النسب، والصدق، والحلم، والصبر... إلى آخره. وانشطر فن المديح في شعر أبي طالب إلى تجاهين:ـ الأول : المديح النبوي:
المدائح النبوية لون من ألون التعبير الفني يراد بها التقرب إلى الله بنشر محاسن الدين والثناء على شمائل رسول الله(صلى الله عليه وآله) والتغني بصفاته، وهي تصدر عن قلوب مفعمة بالايمان الصادق لله ولرسوله(
93)، ومدح الحق تبارك وتعالى نبيه في التنزيل الحكيم: «وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيْمٍ»(94) الذي تمثلت به مكارم الاخلاق التي ارتضاها العربي قبل الإسلام وبعده متمثلة بالخلق الرفيع الذي زاد عليه بالسمات الدينية.وتعد مدائح أبي طالب لرسول الله النواة الأولى لنشأة المدائح النبوية، فمدحه بوقت مبكر قبل غيره من الشعراء(
95)، ومنها وجدت سبيلها إلى مديح الصفات الخَلقية، وهي ليست مدائح مادية لشخصية النبي بقدر ما هي مدائح لعظمة مكانته، وجليل قدره، وسمو رفعته بوصفه نبيا صاحب رسالة سماوية، أُرسل إلى الناس كافة بدين الهدى ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، فرسم أبو طالب صورة جبينه في القصيدة الرائية حين افتقده وظن ان قريشاً قتلته(96)، فقال:{من الوافر}
أَيا اِبنَ الأَنفِ أَنف بَني قُصَيٍّ |
كَأَنَّ جَبينَكَ القَمَرُ المُنيرُ( 97) |
فما يعنيه القمر من نور وسمو ورفعة هو شأن النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يكن المقصود بالجمال المادي فحسب، وهو كذلك أيضاً عندما أجادت قريحة أبي طالب في كشف جمال وجه النبي بهاءً ونوراً في قوله:
{من الطويل}
أغرُّ كضوءِ البدرِ صورةُ وجههِ |
جلا الغيمَ عنهُ ضَوؤهُ فتوقَّدا( 98) |
وفي القصيدة اللامية التي أنشدها في الشِّعب الذي آوى اليه بنو هاشم مع رسول الله لما تحالفت عليهم قريش وكتبوا الصحيفة(
99)، اشاد أبو طالب بحسن خلق رسول الله، فجماله فاق جمال اهل الدنيا، فقال:{من الطويل}
لَعَمْري لَقَد كُلِّفتُ وَجداً بِأَحمَد فَلا زالَ في الدُنيا جَمالاً لأهلِها |
|
وَإِخوَتِهِ دَأبَ المُحِبِّ المُواصِلِ وَشيْناً لِمَن عادى وزَيْنَ المَشاكِلِ( 100) |
ونعت ابوطالب طلعة الرسول البهية بشعلة النار المضيئة في يد حاملها في ضيائه، فقال:
{من الطويل}
حَزِيمٌ على جُلِّ الأمور كأنَّهُ |
|
شِهابٌ بكفِّي قابسٍ يتوقَّدُ( 101) |
وهذه إشارة إلى الهداية التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله)، وللصفات، الخُلقية المعنوية التي يتحلى بها نبي الهدى الحظ الاوفر من شعر أبي طالب، فكان الرسول المقام العالي للخُلق الكريم، وما بعث إلا ليتمم مكارم الاخلاق، فمدحه أبو طالب بشرف النسب، وصدق القول، وشعيرة الكرم، والتجمل بالحلم إلى آخره.
فمن القيم السامية التي يتشرف بها العرب عراقة النسب الزكي، وطهارة المنبت الطيب، وقد أشاد أبو طالب بهذه الفضيلة الكريمة لاصل الرسول فهو فرع باسق في المجد من شجرة عتيقة الاصل في الحسب والنسب خالص المنبت في طهارته وزكاته، فأحمد من أكارم بني هاشم وبني هاشم من أكارم وبن
ي عبدمناف، فقال:{من الطويل}
وَإِن حُصِّلَت أَشرافُ عَبدِ مَنافِها وَإِن فَخرت يَوماً فَإِنَّ مُحَمَّداً |
|
فَفي هاشِمٍ أَشرافُها وَقَديمُها هُوَ المُصطَفى من سِرّها وَكَريمُها( 102) |
وزاد أبو طالب معاني إسلامية في مديحه لابن أخيه، فهو المصطفى الذي اختاره الله لأداء رسالته، ومديح رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعني فخراً لأبي طالب بنفسه، فإن قلت هنا إنه مديح فلا بأس، وإن قلت فخراً فيمكن أن يكون.
وأثنى أبو طالب على ابن أخيه عندما تعرض لأذى عبد الله بن الزب
عرى السهمي، ونفر من رجال قريش فحمل عليهم أبو طالب، ومسح رؤوسهم بالفرث والدم، واصاب ابن الزبعرى حتى ادمى انفه(103)، ثم قال: «سألت من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه الى آدم (عليه السلام)، ثم قال: انت والله اشرفهم حياً وارفعهم منصبا» (104) أنت النبي محمد الطيب المنبت، الكريم النسب، من أصل عمرو بن عبد مناف الرجل الأوحد الذي هشَم الثريد لقومه بمكة أيام القحط، فأضحى صنيعه من بعده سنة متبعة وهو يومىء إلى النبي قائلاً:{من مجزوء الكامل}
أَنتَ النَبِيُّ مُحَمَّد لِمُسَوّدين أَكارِمٍ نِعمَ الأَرومَةُ أَصلُها هَشَمَ الرَّبيكَةَ في الجِفا فَجَرَت بِذَلِكَ سُنَّةٌ |
|
قرْمٌ أَعَرُّ مُسَوَّدُ طابوا وَطابَ المَولِدُ عَمرُو الخِضَمُّ الأَوحَدُ نِ وَعَيشُ مَكَّةَ أَنْكَدُ فيها الخَبيزَةُ تُثردُ( 105) |
وذكر صفات جده بعد ما اجتمعت قريش والعرب على الاقرار بها، وهذا ما يحتاجه أبو طالب في مديحه للنبي(صلى الله عليه وآله) ، ونسبه ليس مجهولا في المجتمع القرشي، ولكن اراد أبو طالب الافصاح عنه لتبيين مكانته فيهم، ولان الله اصطفى نبيه من دون سائر خلقه لتكليفه بأعباء الرسالة، فأثنى الحق تبارك وتعالى بزكاة نسب الرسول، وكرم أرومته في قوله: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِيْنَ»(
106) أراد في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى اخرج من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (عليه السلام) (107)، وأشاد بزكاة أرومته «أنا دعوة أبي إبراهيم ... نقلت من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات لم يمسسني سفاح أهل الجاهلية» (108) فاقتضت كرامة الله ان يكون نبيه من أكرم شجرة وأشرف أرومه، وأفضل عترة، وخير الأُسر، فأودعه في النسب الهاشمي الزكي النقي، فتغنى أبو طالب بانتماء الرسول إلى النسب الهاشمي، فقال:{من الطويل}
وَلَكِنَّهُ مِن هاشِمٍ في صَميمِها |
إِلى أَبحُرٍ فَوقَ البُحورِ صَوَافِ( 109) |
ويجاهد أبو طالب نفسه وابنه علي (عليه السلام) في فداء النجيب وابن النجيب، فهو السيد الشريف في قومه، الكريم في أرومته، فقال:
{من الخفيف}
قد بذلناكَ ـ والبلاءُ عسيرٌ ـلفداءِ الأغرِّذي الحسبِ الثّا |
|
لِفداءِ النَّجيبِ وابنِ النَّجيبِ قبِ والباعِ والفناءِ الرَّحيبِ( 110) |
وسجية الكرم خصلة اصيلة في طبع العربي تمثلها الشعراء في عصر قبل الإسلام(
111)، وحث الإسلام على التحلي بها(112)، وقد تمثلت ملامح شخصية الرسول الخُلقية السامية بالكرم الذي ارتسم بانموذج الرجل الجواد، فمدح أبو طالب ابن أخيه حين اجتمعت قريش على خلافه، بأنه خير من وطىء الثرى ثقة وقت المحن والشدائد جوادُ بماله، فقال:{من الطويل}
وما إنْ جنينا في قريشٍ عظيمةً |
سوى أنْ م َنَعنا خيرَ من وطىءَ التُّربا |
أخا ثقةٍ للنائباتِ مُرَزَّأْ |
كريماً نَثاهُ لا لئيماً ولا ذَربا( 113) |
ورسول الله كريم الاصل يُستَبشَر الخير بوجهه الكريم أيام الجدب والقحط التي تصيب القوم، فطلعته تثري بالرفد والعطاء، فهو رجل فياض الكرم، ومن تعاليمه الحث على اكرام الضيوف، وبهذه السمات المعنوية الخُلقية الرفيعة في شخصية الرسول أومأ أبو طالب، فقال:
{من الطويل}
مِنَ الأَكرَمينَ في لؤيِّ بنِ غالِبٍ طَوِيلُ النِّجَادِ خارِجٌ نِصفُ ساقِهِ عَظيمُ الرَّمادِ سَيِّدٌ وَاِبنُ سَيّدٍ |
|
إِذا سِيْمَ خَسفاً وَجْهُهُ يَتَربَّدُ عَلى وَجهِهِ يسْقي الغَمامُ وَيُسْعِدُ يَحُضُّ عَلى مَقري الض ُّيوفِ وَيحْشُدُ(114) |
وتغنى أبو طالب في مدائحه النبوي
ة بالقيم الدينية التي تمثلت في شخصية ابن أخيه المتصلة بالنبوة، وتصديق الرسالة، ودعوة الناس لاتباعه، ودعوته للدين الجديد، وتأييد الله له، وطلب الشفاعة، ونزول الوحي إلى غيرها(115) من السمات النبوية التي هي جزء من متطلبات الدعوة الإسلامية.ومن أجل هذه السمات التي اكرم الله بها نبيه لتبيين جلالة مكانته وقدره، اشتقاق اسم محمد من اسم صاحب العرش المحمود، ودلالة الاسم جديدة غير معهودة من قبل، فقال أبو طالب:
{من الطويل}
لَقَد أَكرَمَ اللَهُ النَبِيَّ مُحَمَّداً وَشَقَّ لَهُ مِن إِسمِهِ لِيُجِلَّهُ |
|
فَأَكرَمُ خَلقِ اللَهِ في الناسِ أَحمَدُ فَذو العَرشِ مَحمودٌ وَهَذا مُحَمَّدُ( 116) |
وقد فاض كرم الحق تبارك وتعالى على نبيه في تبيين علو مقامه الشريف فذكر اسمه في الكتاب المقدس، وهو الأمين في تبليغ رسالة الله التي استودعها في قلبه من وحيه، سديد القول، فقال أبو طالب:
{من الطويل}
نبيٌّ أتى من كلِّ وجه بخطِّهِ .... أمين على ما استودَعَ اللهُ قَلبَهُ |
|
فسمّاهُ ربِّي في الكتابِ محمَّداً .... وإنْ قالَ قولاً كان فيه مُسدَّدا(117) |
وحاول أبو طالب توكيد مباديء الإسلام في اذهان الناس في علاقة صاحب الرسالة بالله، فيمدحه مرة أُخرى بفضيلة النبوة التي كرمها الله بها، فهو أفضل الناس، كريم الاصل والاخلاق، رشيد مؤيد من عند الله، يسعى لبناء مجد عشيرته، والقائد فيهم، محمود السجال، وصادق القول، ومن جيش بني هاشم تابع لإمرته ومؤيدين من الله بالنصر والسداد، فقال:
{من الطويل}
ألا إنَّ خير الناسِ نفساً ووالداً نبيُّ الإلهِ والكريمُ بأصلِهِ .... وَيَبني لأفناءِ العَشيرَةِ صالِحاً ويبني كثيراً حيث كان من العِدا هو القائدُ المُهدى بهِ كلُّ مِنْسَرٍ إذا قالَ قولاً لا يُعادُ لقولِهِ بجيشٍ له من هاشمٍ يتبعونَهُ |
|
ـ إذا عُدَّ ســاداتِ البــريةِ ـ أحـْمَــــدُ
وأخلاقهُ وهو الرشيدُ المؤيَّدُ طِلاعِ المدى لاغيرَ ذلكَ يجهدُ عظيمُ اللِّواءِ أمْرُهُ الدَّهرُ يُحْمَدُ كوَحي الكتابِ في صَفيحٍ يُخَلَّدُ يُسدِّدُهم ربُّ الوَرى ويؤيِّدُ(118 ) |
ومدح أبو طالب رسول الله بحسن الصفات الحسية والمعنوية بتعبير صادر من قلب محب ومؤمن بالنبي ودينه، وهو يتأمل الخير منه، فاذا قاسه حكام العرب بغيره عند المفاضلة، فهو المفضل؛ لأنَّه النبي ذو الحسب والسيادة والعلم والرشد، ولم
يتخذ وليا إلا الله لايغفل عنه ابدا، ويدعو أبو طالب رب العباد أن يؤيده بنصر من عنده، ويظهر دينه دينا ثابتا دائما، فقال:{من الطويل}
فَمَن مِثلُهُ في الناسِ أَيُّ مُؤَمّلٍ جَميلُ المُحيّا ماجدٌ وابنُ ماجدٍ حَليمٌ رَشيدٌ سيّدٌ وابنُ سيّدٍ {...} عادلٌ وابنُ عادلٍ فَأَيَّدَهُ رَبُّ العبادِ بِنَصرِهِ |
|
إِذا قاسَهُ الحُكّامُ عِندَ التَّفاضُلِ له إرثُ مجدٍ ثابتٍ غيرَ ناصلِ يؤولُ إليهِ العِلْمُ ليس بجاهِلِ يُوالي الإلهَ ليس عنهُ بغافلِ وَأَظهَرَ ديناً حَقُّهُ غَيرُ زائلِ( 119) |
والصدق من القيم الخُلقية الجليلة التي اتصف بها نبي الله واثنت عليها الشرعية الإسلامية، وقريش تعلم بصدق رسول الله قبل البعثة، ولكنها ترفض الانصياع لأمر دعوته، فافصح أبو طالب وهو في الشِّعب منددا باهل الباطل الذين يعلمون ان ابن أخيه لاينطق زورا وبهتانا، وهو لايعبأ بما يقولون، فقال:
{من الطويل}
فقَد عَلِموا أَنَّ اِبنَنا لا مُكَذَّبٌ |
|
لَدَينا وَلا يَعنى بِقَولِ الأَباطِلِ( 120) |
وصفة الصدق إحدى صفات رسول الله التي عهدها أبو طالب بابن أخيه منذ كان طفلا صغيرا، فقال:
{من مجزوء الكامل}
وَلَقَد عَهِدتُكَ صادِقاً ما زِلتَ تَنطِقُ بِالصَّوا |
|
في القَولِ لا تَتَزَيَّدُ بِ وَأَنتَ طِفلٌ أَمرَدُ( 121) |
وصدق رسول الله من الفضائل التي انماز بها فهو برهان على صحة نبوته، ففي القصيدة التي ذكر فيها أبو طالب قصة الصحيفة، ان العرب كانوا يعرفون دين إبراهيم، فاستنكر ظلمهم بمن يدعو إلى البر والتقى والصلاح، وقد اعتبروا في أمر الصحيفة، فمحا الله ما جاء فيها من كفر قريش وعقوقهم، وأثبتت الأرضة التي قضمت الصحيفة ان كل ما ادعوه باطل وما هو إلا كذب وافتراء، من أجل هذه الآية أظهر الله محمداً صادقا فيما ذكره من فعل الأرضة، وسينصره الله باهل العقير ويثرب،
فتغنى بصدق رسول الله(صلى الله عليه وآله).فقال:
{من الطويل}
وَما ذَنْبُ مَن يَدعو إِلى اللَهِ وَحدَهُ وَما ظُلمُ مَن يَدعو إِلى البِرِّ وَالتّقى وَقَد جرِّبوا فيما مَضى غِبَّ أَمرِهِم وَقَد كانَ في أَمرِ الصَحيفَةِ عِبرَةٌ محا اللَهُ مِنها كُفرَهُم وَعُقوقَهُم وأَصبَحَ ما قالُوا مِنَ الأَمرِ باطِلاً فَأَمسى اِبنُ عَبدِ اللَهِ فينا مصَدّقاً .... وَيَنصُرُهُ اللَهُ الَّذي هُوَ رَبُّهُ |
|
وَدينٍ قَديمٍ أَهلُهُ غَيرُ خُيَّبِ وَرَأب الثَّأى بالرأي لا حِيْنَ مَشْعَبِ وَما عالمٌ أَمراً كَمَنْ لَم يُجَرِّبِ أَتاكَ بِها مِن غائِبٍ مُتَعَصِّبِ وَما نَقَموا مِن صادِقِ القَولِ مُنْجِبِ وَمَن يَختَلِق ما لَيسَ بِالحَقِّ يُكذبِ عَلى ساخِطٍ مِن قَومِنا غَيرِ مُعْتَبِ .... بِأَهلِ العُقَيرِ أَو بِسُكّانِ يَثرِبِ(122) |
ولا نستبعد أن يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أخبر عمه أبا طالب بالهجرة إلى يثرب قبل وقوعها، ليطمئنه على انتصار الإسلام، فضلا عن أن أبا طالب سمع من احبار يهود بني قريضة أن ابن أخيه «نبي وانه لانبي بعده، واسمه أحمد، ومهاجره إلى يثرب»
(123) فأومأ في مديحه الى هذا الامر يقينا لهجرته وتصديقا لبعثته.ومما تقدم يتبين: أن أبا طالب افاض في مدح الرسول في تعداد سجاياه المادية والمعنوية الصادرة عن قلب محب، ونفس معجبة، وروح مؤمنة، وعقيدة راسخة،وايمان قوي، وتصميم ثابت بالنبي ودعوته.
ومما يلحظ أن أبا طالب لم يعنِ عناية كبيرة في رسم الملامح الخَلقِية في تبيين هيأة الرسول المنظور إليها، وانما اكتفى باللمحة السريعة، ووجه عنايته حول بيان صفاته الخُلقية والقيم الدينية، فمدح مكارم الأخلاق التي تربى عليها العربي التي تجري على وفق ما كان مألوفاً عند العرب من انهم ينظرون إلى الأفعال التي تخلدهم، فضلا عن مدح الرسول بوصفه نبي الامة الذي بلَّغ رسالة السماء ونشر تعاليمها، فشخصيته تستحق الثناء والتبجيل.
ـ الثاني: المديح العام:
ويراد بالمديح العام الذي أشاد به أبو طالب بحق الآخرين ما خلا مديحه لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، فمدائحه(
124) كانت تعبيرا عن حضِّ الممدوحين لمؤازرة رسول الله طمعا في مناصرته ومحاماته، أو تعبيرا عن إسداء معروف، أو حق احسان للذين ساندوا الرسول، ووقفوا بجانبه لمواجهة اعداء الدعوة.ومعاني المديح التي تمثلت بالخصال الرفيعة والاخلاق الكريمة، والقيم الجليلة، والمباديء العظيمة هي نفسها التي اكبرها العربي وأجلها، فكانت موضع اعجابه وتمييزه، وحرص أبو طالب على مديح فضائل الآخرين من بعض رجال قريش تقويما لمواقفهم الجليلة، واعترافا بنبل أفعالهم، وإكبارا لشجاعتهم في نقض الصح
يفة(125)، فأثنى عليهم بالحزم والرشاد وحسن التدبير، فقد اجتمعوا كالملوك بل هم أعز منهم وأعلى في موضع الحجون في الليل، واتفقوا على نقض الصحيفة في الصباح، فقال:{من الطويل}
جَزى اللَهُ رَهطاً بِالحجونِ تَتابَعوا قُعوداً لَدى رُكنٍ الحَطيمِ كَأَنَّهُم قَضَوا ما قَضَوا في لَيلِهِم ثُمَّ أَصبَحوا وآخرُ مسرورٌ بناتُ فؤادهِ وسارَعَ فيها كلُّ صقرٍ كأنَّهُ |
|
عَلى مَلإٍ يَهدي لِخَيرٍ وَيُرشِدُ مَقاوِلَةٌ بَل هُم أَعَزُّ وَأَمجَدُ عَلى مَهَلٍ وَسائِرُ الناسِ رُقَّدُ تحضُّ علينا بالمغيبِ وتُوقِدُ شِهابٌ بِكَفّي قابِسٍ يَتَوَقَّدُ( 126) |
وقد يمدح أبو طالب افرادا لعمل سام
ٍ قاموا به من مثل موقف زهير بن أبي أمية، وهو أحد الرجال الذين نقضوا الصحيفة، فتغنى أبو طالب بفضائله: قرابته منه، وجليل كرمه، ونبل نسبه، وصدق قوله، واصالة مجده ، وعظيم شجاعته ، فقـال:{من الطويل}
فنعمّ ابنُ أُخت القومِ فيما ينوبُهُم كريمُ النّشا جَلْدُ القُوى ذو حفيظةٍ فتىً لم يزلْ يَسمو الى المجدِ والعُلا أشمُّ من الشُّمِّ البهاليلِ، ينتمي |
|
زُهيرُ النَّدى ذو المُكرماتِ الفواضلِ وذو مَصْدقٍ عند اختلافِ الغَوائلِ قديماً لعمري في بيانٍ ونائلِ إلى حسبٍ في باحةِ المجدِ فاضلِ( 127) |
فمديح أبو طالب لموقف زهير الشجاع في إنقاذ المسلمين وفك حصار الشِّعب منهم من دواعي اعجابه بما صدر عنه في هذا التوجه.
وينتقي أبو طالب الفضائل التي يعتز بها العربي ويحفل، ليقدم صورة جليلة بحس الشاعر، فيرى أن أبا قيس بن الأسلت لايقل عن زهير في اتجاهه المحمود على أثر قصيدته البائية(
128) التي عظم فيها حرمة البيت، ونهى قريشا عن محاربة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكف الأذى عنه، ذاكرا فضلهم، فتغنى أبو طالب بمديحه طمعا بنصرته لرسول الله، فهو نقي الأرومة وطيب الأصل، وسيد الندى، فقال:{من الطويل}
وينصرُ ابني كلّ ُ برٍّ وعالمٍومثلُ أبي قيس المصفّى من الخنى |
|
بما يتلو (...) المِدارسَ وَسْطَ المحَاربِ قَرِيعُ النَّدى وابنِ الكرامِ الأطائبِ( 129) |
وحماية الجار منقبة خُلقية عظيمة تزاد على مناقب السيد الكريم، ففي القطعة البائية التي بعثها أبو طالب الى نجاشي الحبشة يحثه فيها على إكرام المهاجرين(
130) نعته بافعال الخير كلها اللازمة فيه، وبسخاء كرمه، فعطاياه وافرة تصل إلى من يدخل في جواره، عزيز المجد فلا يتعب من في حماه، فقال:{من الطويل}
تَعلَّم بِأَنَّ اللَّهَ زادَكَ بَسطَةً وَأَنَّكَ سَيْبٌ ذو سِجالٍ غَزيرَةٍ وإنَّكَ عزٌّ ـ والملوكُ أذِلَّةٌ ـ |
|
وَأسبابَ خَيرٍ كُلُّها بِكَ لازِبُ يعيشُ بجدواكَ الطَّريدُ المُصَاقِبُ كريمٌ فلا يشقى لديكَ المُجانِبُ( 131) |
وحمدَ اصحاب رسول الله جوار النجاشي الذي أحسن إليهم(
132) فاشاد أبو طالب بحسن جواره وكرمه لهم، فقال :{من الطويل}
فبدَّلَهُم ربُّ العبادِ بدارِهم جوارَ النجاشيِّ الذي ليس مثْلَهُ |
جوارَ كريمٍ سيِّدٍ ذي فواضلِ مليكٌ مجيرٌ للضِّعافِ الأراملِ( 133) |
ولنصرة النجاشي المسلمين ومحاماته لهم، نال حقا عليهم لجليل فضل تكرمه، فاستحق الثناء، فقال أبو طالب فيه:
{من الطويل}
وإنكّ ما يأتيكَ منّا عصابةٌ بذلْتَ لهم عُرفاً ولم تبغِ عنهم |
|
لفَضلِكَ إلا أُرْجِعُوا بالتَّكرُّمِ فنلتَ بها حَقَّاً على كُلِّ مُسْلِمِ( 134) |
ومديح أبي طالب ينأى عن المبالغة غير الواقعية فلا يشيد بفضائل الممدوح إلا بما فيه من السجايا والخصال المحمودة، فيتوجه إليه بهالة من الثناء.
وصفوة القول: إن مدائح أبي طالب نابعة من عقيدة ثابتة بالقيم العربية الأصيلة التي تمثلت في المجتمع الإسلامي بمعانٍ مثالية ذات رؤية إسلامية، وتبرأت مدائحه عن غاية في طلب مأمول؛ لانه كان شيخا ذا مكانه عالية معتدا بنفسه، وأنفته، وكبريائه، فمدائحه صادرة عن إيمان صادق بصاحب الرسالة، موجهة إليه، وإلى من سانده وآزره وحاماه في محنته، فلم يمدح ملكا أو أميرا أو رئيس قبيلة؛ لأنه هو مهوى مدائح الشعراء لمكانته ومنزلته، اما ما مدح به النجاشي فلأنه أجار المسلمين.
وكان مديح أبي طالب مديح شكر لفضل سابق في الممدوح وهو دعوى للاخرين للتمثل بما فعله الممدوح للدعوة الإسلامية ولرسول الله(صلى الله عليه وآله).
***
الهوامش:
(
1) طبقات فحول الشعراء: 1/209.(
2) نقد الشعر: 118.(
3) العمدة: 2/147.(
4) ظ: الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام: 57، شعر الرثاء في العصر الجاهلي: 158.(
5) العمدة: 2/143.(
6) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 352.(
7) العمدة: 2/147.(
8) العقد الفريد: 3/162، نهاية الارب في فنون الأدب: 5/162.(
9) ظ: لسان العرب: «ندب».(
10) ظ: الديوان: 97، 98، 99، 104- 105، 132، 136، 138، 149، 166، 169، 336- 337، 343.(
11) ظ: ديوان المعاني: 2/184.(
12) عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الملقب بالذبيح، وهو والد الرسول (صلى الله عليه وآله)، خرج في تجارة الى بلاد الشام، وفي طريق عودته الى مكة تُوفي في المدينة وله خمس وعشرون سنة، ظ: السير والمغازي: 32- 41، الطبقات الكبرى: 1/88- 89، تاريخ الخميس في احوال أنفس نفيس: 1/182- 183.(
13) الديوان: 98.(
14) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/10.(
15) الديوان: 97، العادي: الباغي والظالم، والأرم: الآكل، شيبة: اسم عبد المطلب سمي بذلك، لانه كان في رأسه شيبٌ منذ ولادته، وهو أول من خضب بالسواد، ظ: الطبقات الكبرى: 1/86- 87، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب:24.(
16) الزبير بن عبد المطلب، ويكنى أبا طاهر، وأبا ربيعة، وهو أخو عبد الله والد الرسول (صلى الله عليه وآله) من أُمه وأبيه، وكان من أشراف قريش وحكامها، وهو أول من تكلم في حلف الفضول ودعا إليه، مات ورسول الله ابن بضع وثلاثين سنة، ظ: المحبر: 132، 164- 167، المعارف: 604، أنساب الأشراف: 1/87، 2/11- 20.(
17) ظ: المحبر: 132.(
18) الديوان: 99.(
19) م.ن: 132.(
20) ظ: السير والمغازي: 73.(
21) خزانة الأدب: 4/244، سرو سحيم: موضع في بلاد هذيل، ظ: معجم البلدان:3/217.(
22) الديوان «التونجي»: 45، زاد الركب: لقب أبي أمية، وكان أزواد الركب في قريش ثلاثة: أبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وزمعة بن الأسود ابن عبد المطلب بن أسد بن العُزَّى، وانما قيل لهم أزواد الركب؛ لأنهم إذا سافروا لم يتزود معهم أحد، ظ: خزانة الأدب: 4/246.(
23) ظ: الرثاء: 6.(
24) التعازي والمراثي: 27.(
25) الديوان: 97، 98، 99، 104، 238، 263، 335.(
26) ظ: الديوان: 99.(
27) م.ن: 99.(
28) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 123- 124.(
29) ظ: الديوان: 97.(
30) صبح الاعشى في صناعة الانشا: 2/15.(
31) ظ: تاريخ اليعقوبي: 1/320.(
32) الديوان: 97.(
33) السيرة النبوية لابن كثير: 1/239.(
34) الديوان: 149، غيث رَجّاس: ذو رعدٍ شديد الصوت، بكور: مُبكّر في وقته، أكب: كثير العثار.(
35) ظ: أنساب الأشراف: 1/83، الخصائص الكبرى: 1/80، حديث الاستسقاء.(
36) تاريخ اليعقوبي: 2/9- 10.(
37) ظ: لسان العرب: «عزا».(
38) ظ: التعازي: 75، التعازي والمراثي: 4.(
39) ظ: المحبر: 174، مسافر بن ابي عمرو بن أمية بن عبد شمس، كان سيدا وجوادا في قومه، وهو أحد أزواد الركب الذي سبق ان ترجمنا عنه ص: 73- 74، مات بالحيرة في الجاهلية، ظ: خزانة الأدب: 4/ 246، 8/147، 10/468-469، 471.(
40) ظ: الديوان: 263، هبالة: موضع من مياه بني نمير، ظ: معجم البلدان: 5/390.(
41) م.ن: 263.(
42) ظ:الديوان: 263.(
43) م.ن: 147.(
44) ظ: م.ن: 147- 148.(
45) م.ن: 148.(
46) م.ن : 149.(
47) م.ن: 148.(
48) الديوان:335، أبو عثمان كنيته هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، والد أبي جهل من سادات العرب في الجاهلية، وكان رئيس مخزوم في حرب فجار، وكان يؤرخون في مكة بوفاته، ظ: جمهرة أنساب العرب: 1/144، والتبيين في أنساب القرشيين: 316، عمرو بن هشام: كان يكنى في الجاهلية أبا الحكم، وكناه رسول الله(صلى الله عليه وآله) أبا جهل، وكان أحد مشايخ قريش ومن اشد المشركين إيذاءً للرسول والمسلمين، قُتِلَ كافرا في معركة بدر في السنة الثانية للهجرة، ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 2/200- 201، جمهرة أنساب العرب: 1/144- 145.(
49) لسان العرب: «نعا».(
50) الديوان: 169، خللت لحمي: قلَّ ونحف من الهزل، والمشتهب: الذي غلب بياضُهُ سوادَهُ، والشجب: الهلاك.(
51) الديوان (التونجي): 45- 46، الزواهق: مفردها زاهقة وهي السمينة، البهازر:البُهزُرة: وهي الناقة العظيمة، كعب وعامر اولاد لؤي بن غالب بن فهر، يدخلان في النسب النبوي،ظ: جمهرة أنساب العرب: 2/464.(
52) الديوان: 104، تبالة: موضع ببلاد اليمن، أو من أرض تهامة في طريق اليمن، ظ: معجم البلدان: 2/9، والحجون: موضع مقابر أهل مكة، ظ: معجم البلدان: 2/225.(
53) ظ: أدباء العرب في العصر الجاهلي وصدر الإسلام: 1/46، الفروسية في الشعر الجاهلي: 243- 244، شعر الحرب في العصر الجاهلي: 218- 222.(
54) ظ: الديوان: 172، 174، 175، 177، 178، 180، 182، 183، 189، 193، 196، 198، 208، 209، 210، 212- 213، 214- 215، 216- 217، 218- 219، 221، 222، 228، 229، 300، 235، 236- 237، 238، 241، 242- 244، 285، 333، 338- 339، 344.(
55) الديوان: 171- 172.(
56) الديوان: 208.(
57) م.ن : 85، الطلُّى: الاعناق، الكلاكل: عظام الصدر.(
58) الديوان: 258، القنابل: الجماعات من الناس والخيل.(
59) ظ: البقرة/215، النساء/36، الانفال/75.(
60) الديوان: 242- 243، الضوابح: الخيل التي لا يكون لانفاسها صوت عند العدو، السفاسرة: اصحاب الاسفار وهي الكتب، الشهور: العلماء، صدر البيت الحادي عشر غير مستقيم.(
61) ظ: تمثيلا لا حصرا : شرح المعلقات العشر واخبار شعرائها: 137- 153، (معلقة عمرو بن كلثوم)، ديوان الأعشى الكبير: 181- 183، 259- 265.(
62) ظ: الديوان: 242- 243.(
63) الديوان: 243- 244، ظ: م.ن: 210، عاطلات: الحسان وعيطل الناقة في حسن منظر وسمن، أرادي: أناضل وادافع، غؤور: ذهب في الأرض، التجليح: الحملة والإقدام الشديد، الزهاء: الشُّخوص، رأس كبير: أي الجيش على حياله.(
64) ظ: الديوان: 333.(
65) م.ن: 333، القرم: السيد، الاغر: الشريف، البطاح: مفردها الأبطح، وهي حصى الوادي اللين في بطن المسيل، النجيع: الدم الذي يضرب لونه إلى السواد، العرين: مأوى الأسد بين الشجر.(
66) ظ: م.ن: 186، 222.(
67) الديوان: 222.(
68) الديوان : 190، الاظنة: مفردها ظنين، وهو الرجل المتهم، الصفراء: القوس، والعضب: القاطع، والمقاول: الملوك والرؤوساء، «ويحتمل ان السيف من هبات الملوك لأبيه؛ فقد وهب ابن ذي يزن لعبد المطلب هبات جزيلة حين وفد عليه مع وفد قريش يهنئونه بظفره بالحبشة»، خزانة الأدب: 1/61.(
69) ظ: الفصل الرابع مبحث (التحذير والتهديد) : 144- 151.(
70) الديوان: 343.(
71) ظ: الديوان: 171، 175، 177، 180، 182، 193، 196، 198، 333.(
72) ظ: تاريخ الأدب العربي (بلاشير) : 2/290.(
73) ظ: السير والمغازي: 150.(
74) الديوان: 180.(
75) الديوان : 175، «سرها أي وسطها ... يكون الوسط مدحا وان ذلك في موضعين في وصف الشهود وفي النسب»، الرَّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/12.(
76) الديوان : 196، الذحل: الحقد والعداوة.(
77) السيرة النبوية لابن هشام: 1/124- 125، ظ: السيرة النبوية لابن كثير: 1/79، وللمزيد من التوضيح حول السقاية والحجابة والرفادة والندوة واللواء، ظ: العقد الفريد: 1/ 235- 237، وتاريخ التمدن الإسلامي: 29- 30.(
78) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/124- 137.(
79) ظ: تاريخ اليعقوبي: 1/220.(
80) الديوان: 94، الخطر: المال والشرف والمنزلة وارتفاع القدر، الأزم: الجدب والمَحْل، القتار: ريح الشواء.(
81) م.ن : 235.(
82) السيرة النبوية لابن هشام: 1/136.(
83) ظ: الديوان: 113.(
84) م.ن : 113- 114، الذواء: الذي جف وذبل، ملأرض: لهجة عربية تدمج من الجارة بمجرورها.(
85) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 133- 135، الرَّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام:1/242- 248، الكامل في التاريخ: 2/25- 27، وأول من دعا لحلف الفضول وكان سببا لقيامه الزبير بن عبد المطلب أخو أبي طالب وعم الرسول (صلى الله عليه وآله)، ظ: الرَّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام:1/242.(
86) الديوان: 236- 237، أسود: اسم جبل، ظ: معجم البلدان: 1/192.(
87) السير والمغازي: 148- 149.(
88) الديوان: 174، الخنفقيق: الداهية، الفنيق: الفحل المكرم عند اهله، الغيل: عرين الأسد وموضعه.(
89) ظ: م.ن: 227- 228.(
90) م.ن: 228، الدسيعة: العطية الجزيلة.(
91) م.ن : 229- 230، يخذي: يسرع، الطليح: الهزيل، جنبا نخلة: واديان قرب مكة، ظ: معجم البلدان: 5/277، والمُحَصَّب: «موضع رمي الحجر بمنى»، معجم البلدان: 5/62.(
92) ظ: الأمالي في الأدب الإسلامي: 179.(
93) ظ: المدائح النبوية: 17- 18.(
94) القلم/ 4.(
95) عزا زكي مبارك نشأة المدائح النبوية إلى أقدم ما مدح به الرسول (صلى الله عليه وآله) القصيدة الدالية للأعشى، والقصيدة اللامية لكعب بن زهير، ثم قرر ان كلتا القصيدتين ليست من المدائح النبوية في شيء؛ لأن الأعشى لم يقل الشعر وهو صادق النية في مدح الرسول، وانما اراد التقرب منه، ولم يمدح كعب الرسول إلا لينجو من الموت، فكانت نشأة المدائح في شعر حسان بن ثابت، ظ: المدائح النبوية: 19- 25، 29- 46، وقد اغفل ذكر أبي طالب الذي مدح النبي في زمن البعثة أي قبل الهجرة، على أننا وجدنا ان الأعشى وكعباً وحساناً قد مدحوا الرسول بعد الهجرة، من هنا نقرر ان نشأة المدائح النبوية كانت في شعر أبي طالب، فهو أول من تشرف بمدح النبي(صلى الله عليه وآله) قبل غيره من الشعراء.(
96) ظ: الديوان: 242- 244.(
97) الديوان: 244.(
98) م.ن : 150.(
99) ظ: الديوان: 190- 198.(
100) م.ن: 197، أخوته يريد أولاده الذين كانوا كأخوته وهم: طالب وجعفر وعقيل وعلي، دأب المحب: عادته وطبعه.(
101) م.ن: 90.(
102) الديوان: 175.(
103) ظ: بحار الانوار: 35/ 126.(
104) ظ: بحار الانوار: 35/ 127.(
105) الديوان: 333، الربيكة: الأقط والتمر والسمن مع الطحين، أنكد: مشؤوم.(
106) الشعراء/ 219.(
107) ظ: مجمع البيان في تفسير القرآن: 7/207.(
108) الايضاح: 175، المطالب العالية بزوائد الثمانية: 4/ 177، اشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى دعوة النبي إبراهيم في قوله: «...وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ» إبراهيم/ 35.(
109) الديوان: 177.(
110) م.ن : 220- 221.(
111) ظ: الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام: 58.(
112) ظ: نهاية الارب في فنون الأدب: 3/ 204- 205.(
113) الديوان: 183، المرزأ: الذي يصيب الناس من ماله ونفعه كثير، الذرب: الحادُّ السليط اللسان.(
114) الديوان: 90، وصدر البيت الثاني والثالث غير مستقيمين، ومن تعاليم السنة الشريفة التي اكدها أبوطالب في شعره ان الكرم شعبة من شعب الإيمان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيُكْرِمْ ضيفَهُ»، صحيح البخاري:4/112.(
115) ظ: الديوان: 150، 164- 165، 167، 168، 171- 172، 174، 175، 177،182، 183، 185، 189، 193- 194، 197- 198، 207، 211، 215، 217، 219، 221، 223، 224، 228، 229- 230، 231، 235- 236، 241، 244، 253، 255، 256، 259، 329، 332، 338، 339، 340، 342.(
116) الديوان: 332، محمد سمّاه به جده عبد المطلب بالهام من الله، وقد حمى الله أن يُسمّى احد باسم أحمد، أو محمد قبل زمانه، اما أحمد الذي ورد ذكره في الكتب وبشرَّت به الانبياءُ فمنع الله تعالى بحكمته ان يُسمّى أحد غيره، كيلا يدخل لبسٌ على ضعيف القلب، أو شك، وكذلك محمداً أيضا، فلم يُسمَ به أحد من العرب ولا غيره إلى أن شاع قبيل ميلاده ان نبيا يُبعث اسمه محمد فتسمّى قوم قليل من العرب أبناءهم به رجاء ان يكون أحدهم هو، وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الانصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، ظ:عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1/30- 31، السيرة النبوية لابن كثير:1/197، الخصائص الكبرى: 1/ 78- 79، السيرة النبوية (انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون):1/87- 93، وضمَّن حسان بن ثابت البيت الثاني في شعره، ظ: ديوان حسان بن ثابت: 134، مع الهامش.(
117) الديوان: 150، الكتاب: يراد به الإنجيل، ظ: الطبقات الكبرى: 360- 363، ذكر صفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في التوراة والإنجيل.(
118) الديوان: 90- 91، طلاع: اعتلى على ملته، المنسر: الجيش، الوحي: الكلام والكتاب الخفيان، الصفيح: الحجر.(
119) الديوان: 197- 198، {...} بياض في الديوان.(
120) الديوان : 198.(
121) م.ن: 333.(
122) الديوان : 95- 96، الثأى: اصلاح الفساد، المشعب: الطريق، العُقير: بلدة بالبحرين، ظ: معجم البلدان: 4/138.(
123) السيرة النبوية لابن كثير: 1/214.(
124) ظ: الديوان: 190، 197، 206، 235، 238، 239- 240،247، 259، 340، 341.(
125) ظ: السير والمغازي: 159- 162، السيرة النبوية لابن هشام: 1/374- 377، السيرة النبوية لابن كثير: 2/44- 46، امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 1/44، تفاصيل خبر نقض الصحيفة.(
126) الديوان: 235، الرهط: الجماعة وهم النفر الذين نقضوا الصحيفة وانكروها وهم خمسة: هشام بن عمرو بن الحارث وزهير بن أبي أمية بن المغيرة، والمطعِم بن عدي، وزمعة بن الأسود بن عبد المطلب، وأبو البخترى بن هشام، ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/93- 96، والحجون: «جبل بأعلى مكة عند مدافن اهلها»، معجم البلدان: 2/225.(
127) الديوان: 197، أُخت القوم: عاتكة بنت عبد المطلب، النشا: الريح الطيبة، زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب شقيقة أبي طالب، وهو من المستهزئين الذين أذَّوا الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن أعان على نقض الصحيفة، أختلف في سنة وفاته، ظ: الكامل في التاريخ:2/50، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/552- 553، 4/357- 358.(
128) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/283- 286.(
129) الديوان: 206، (...) بياض في الديوان، أبو قيس بن الأسلت من بني وائل الأوسي؛ مختلف في اسمه فقيل: الحارث، أو عبد الله، أو صيفي، أو حرب، أو صرمة، واُختلِفَ في إسلامه، وهو شاعر قال اشعارا يحث فيها قومه على الإسلام، ولم يذكر سنة وفاته، ظ: الإستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/160، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/161- 162.(
130) ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/76.(
131) الديوان: 247، المصاقب: المجاور، المجانب: الذي صار جنبه ودخل في حماه.(
132) ظ: م.ن: 257.(
133) م.ن : 258.(
134) الديوان: 259.