حِجَّة الوداع

{ كامل سليمان }

تليت يوم عيد الغدير في صور سنة 1967م.

ودِّع المصطفى «الحطيم» و«زمزم»

وانتهى من طوافهِ ثم سلَّمْ

***

وسعى.. فالصَّفا تردِّد وجداً

والحصى تحت وطأة الخُفِّ حَمحم!

***

ثم أومى «للبيت» آخرَ إيما

ءِ! فكادت أحجارَه تتكلَّم!

***

وإذا «الركنُ والمصلَّى وحِجْرُ» الـ

ـوحي – من لهفةٍ – تئنُّ وتألم

***

شعرت كلُّها وداعٌ رسول الـ

ـلَّهِ! فاستوحشت وذابتْ من الغم!

***

.. ما أمرَّ الوداعَ! «فالبيت» يهفو

للنبيِّ، الأب الرحيمُ المعظَّم

***

ما أمرَّ الفراق! «فالحجر الأسـ

ـودَ» قد كاد رُكنُه يتهدَّم!!!

***

ذاكراً ثورة الهدى.. صنماً ينْـ

ـعَى آخاهُ! وثالثاً يتحطَّم!

***

يومَ أن قوَّضتْ يمينُ عليٍّ

كلَّ ربٍّ أصمَّ – في البيتِ - أبكم

***

ومشى موكب الهدى في هجيرٍ

كان كالنَّار وقدُه يتضرَّم

***

وعلى رأسه النبيُّ شَرودَ الْـ

ـفكر.. في عزْمهٍ يُحاكى ويُلهم

***

يزِن الأمر.. سامِعاً صَوت جبـ

ـرائيل، يدعوه.. دون صوتٍ ولا فم:

***

بلِّغِ الناس في عليٍّ.. وقلها

لا تدعْها تَلْتاك في شدق أرقم

***

هو مِن بعدك الوصيُّ، وإنْ لم

تعلن الأمر، لاتَ ساعَة مندَم!

***

أَوْصِ واللهُ من ورائك يحمي

بيضةَ الدِّين.. لا تخف أن تهدَّم

***

وبدت حيرةٌ بنفس رسول الـ

ـلّه من قولةٍ يواكبُها الهم

***

.. وانْثنى صادعاً بأمرٍ جليلٍ

عن جليلٍ بأمرهِ ما تعلثم

***

مومِئاً للحجيج: قِفْ لصلاة الـ

ـظُّهر «حوَّلْ بنا الحجيج إلى «خُمّ»..

***

فأصاخ الجميع، مُصغين للتَّهـ

ـليل.. فالجوُّ بالتهاليلِ مُفعم!

***

.. وقفوا.. فالرَّسول يأمرُ بالأحـ

ـداجِ تُلقى بقربه، وتُكوُّم

***

ثم يرقى الأحداج.. أين ذرى الجَو

زاءِ من منبرٍ أجلُّ وأعظم!!

***

مُشرق الوجه، ثابِتُ القلبِ، يتلو

بيِّناتٍ عن ربِّه تترجم

***

رافعاً كَفَّه بكفٍّ عليٍّ

هي كفٌ تزهو بأشرف معصم!

***

وعليٌّ يغضُّ طرفاً حييّاً

وعليه خشوعٌ عيسى بن مريم!

***

قال: هل تعلمون أني أولى

منكمُ بالنُّفوس، والمال، والدَّم؟!

***

فأجابوا: نعم، وربَّك.. إنَّا

طَوع ما يأمر الرسولُ المعظَّم

***

قال: إنِّي أُمِرْتُ أن أختم الوحـ

ـيَ بأمرٍ لكم به كلُّ مغنم

***

إسمعوا: لا يفوز إلَّا مطيعٌ

وسيلقى جزاءه مَنْ تأثَّم:

***

فعَلِي ولاؤهُ كولائي

هو عِدلُ القرآن بالكيف والكَمّ

***

هو مولاكُم، اسمعوا وأطيعوا

أمرَه، فهو بالرِّسالة أعلم

***

أنا في العلم كالمدينة، وهو الْـ

ـبابُ.. فالحكم عنده إن تأزَّم

***

هذه عزمةٌ أتاني بها الوحـ

ـيُ.. ويا ويلَ مَن طغى وتبرَّم!

***

أيُّها الناس: هل ترونيَ بلَّغـ

ـتُ؟! فقالوا: بلَّغت، والله يعلم..

***

.. واستجابوا.. فأحدقوا بعليٍّ

وتهاوَوا على الوصيِّ المكرَّم

***

يقدُم النَّاس للتَّهاني «أبو بكـ

ــرٍ» ومن بعدِه الحجيجُ تقدَّم

***

«عمرٌ» قال بعده لعليٌّ:

صرتَ فينا الإمامَ، يا خيرَ مَنْ أُمّ!

***

ومضى الكلُّ – مُهطعين بعين الـ

ـلّه – واللهُ يشهد الفيلقُ الجمّ:

***

موجةٌ إثر موجةٍ، في خضمٍّ

طاف من حول حيدرٍ وتزاحم

***

صافحوا كفُّه، وداروا حوالَيْـ

ـهِ، كما دارَ بالأساور مِعصَم!

***

فانقضتْ بَيعةٌ له لزِمتهم

هي في عُنقهم كوسْمةِ مِيسَم

***

إنّها مغنمٌ لِمن قد رعاها

وهيَ للنَّاكثين سُحقٌ ومَغرم!

***

إنَّ «يوم الغَدير» يومٌ كريمٌ

أنزل الله فيه حكماً، وأبرم

***

هكذا قال أحمدٌ.. ليس بعد الـ

ـلَّهِ أو أحمدٍ مقالٌ لأشْرم!

***

هو أمرٌ قد خُطَّ في قلم الغيـ

ـبِ، على اللَّوح، في قضاءِ مُحتَّم

***

نوَّهت فيه نومةٌ في فِراشٍ

لعليٍّ، وحوله ألفُ أخْزم

***

والمؤاخاةُ.. والزواجُ بِبكْرٍ

هيَ من خيرَ من أطاعَ وأسلَم!

***

نوَّهَ الوحي فيه سرّاً وجهراً

وصريحاً، واللهُ أَدرى وأعلم!

***

نوَّه المصطفى به يومَ نادى

لعليٍّ علمٌ يضيق به أليَمّ!!!

***

.. لم يقلِّد بها ربيباً، وصِهراً

ليس عند الرَّحمنِ صهرٌ ولا عمّ!

***

وعليٌّ مهما نُبالغْ بِمدحٍ

- كانَ من كلِّ ما نُحاولُ أعظم!

***

سيفُه سَوْطُ نقمةٍ وعذابٍ

لِلأعادي، ونارُ سخطٍ وعلقم!

***

قد رأوهُ «بخيبرٍ» و«حُنَيْنٍ»

شفرتاه لا تَرْويان بِلا دَمّ!

***

ورأَوهُ في يومِ «بدرٍ» و«أحد»

يترك الظالمين أنفاً مهشَّم!

***

وبيوم «الأحزاب» أو يوم «عَمْروٍ»

سَلْ حُساماً جزَّ الطُّغاةَ، وقَسَّم

***

أيَّ حربٍ سَلْها، تجبك: عليٌّ

هو بِكرٌ في الناس من عهد آدم!

***

هو لغزٌ تحار فيه عقولُ الـ

ـنَّاس! لا يحتويه لفظٌ منظَّم!

***

هو من أحمدٍ كهارون، لولا

أنه خاتمٌ، به الدِّينُ قد تمّ..

***

أيُّ قولٍ يعطي عليّاً مديحاً

بعد مدحٍ به (الكتاب) تكلَّم

***

يومَ أعطى الزَّكاةَ وهو يصلّي

وحواليْهِ ألفُ وجهٍ تجهَّم!

***

فأتتْ آية الولايةِ فيه

وفْقَ تصريحها البديع المعظَّم

***

.. ما ترانا نقول في آيةِ القر

بَى؟! ماذا يسوغَ أن نتهجَّم؟!

***

ما ترانا نقول بعدك يا ر

بَّاهُ، أو بعد أحمدٍ؟! يخسأُ الفم..

***

أنا آمنتُ.. كلُّ جارحةٍ فِـ

ـيَّ، عليها من حُبِّه وسم ميسم

***

أنا آمنتُ فيه برّاً رحيماً

وأباً لليتيم، يرعى ويرحم

***

قسَّم المال، لا عواطفَ قُرْبى

أخذته، أو غايةٌ عند مغنم

***

لم يُقِم للحياة وزناً كبيراً

إنَّه قايض الحياة بدرهم!

***

فارق العيشُ دون صفراءَ أو بيـ

ـضاءَ، أو تاركاً سواراً بمعصم!

***

عادلَ الحكم، واضحَ الخطِّ، لا تمـ

ـويهَ في قوله.. يقول، فيُفهم..

***

عاش إسلامَهُ على خير وجهٍ

لم يماكَس في دينهِ أو يُساوَم!

***

هَمُّه كان في حِياطة دينِ

إِن تُؤخَّر إمامةٌ، أو تُقدمَّم..

***

قال: إنَّ الحياةَ عندي كشِسْعِ الـ

نَّعلِ، إنْ لم أقم بها الحقَّ، أو لم..

***

أنا طلَّقتها ثلاثاً، وإنَّي

لستُ ممَّن يقول قولاً فيندم

***

أطمعَ الناس فيَّ أنّيَ موصى

من نبيِّي!. وليس حُرٌّ كمُلجم!

***

سيِّدي: عُذْرَ منطقي وقصوري

وعليك الإله صلَّى وسلم..